المنبرالحر

البيطري الهندوسي والسياسي العراقي / وديع شامخ

في بروتوكولات التعاون بين دول العالم، هناك مجالات شتى ُتفتح أبوابها لتبادل الخبرات والمهارات، وفتح ورش عمل مشتركة وغيرها، وفي هكذا برتوكولات لا يفترض بالشعوب والدول أن تكون على مستوى واحد علميًا، إقتصاديًّا، عسكريًّا، تكنولوجيًّا، سياسيًّا، فكريًّا... إلخ. لكن الشرط الوحيد هو وجود علاقة قنوات للإتصال.
ومن نتائج هذه المعاهدات أن تعم الفائدة للطرفين، فالتبادل التجاري بين دولتين مثلاً أحدهما ُمصدّر وآخر مستهلك هو نمط من أنماط هذه المنفعة.. وكذا الأمر في عقود الأطباء والمهندسين والمدرسين والصناعيين والزراعيين ومدربي الرياضة.
وحين تختار الدولة أو الجهة المانحة للخبرات أعضاء بعثتها بكافة الاختصاصات ولاسيما حين تكون الخبرة الوافدة سوف تستقر في مقر عملها الجديد لزمن قد يطول، فلابد للوافد أن يتسلح بمعلومات عن بلد الإقامة والخدمة الجديدين.
....
أتذكر حوارًا لسفير إسرائيلي جديد حلّ على المملكة الأردنية الهاشمية نشرته جريدة "شيحان" الأردنية في عمان آنذاك. كشفت فيه ملابسات وظروف إجراء حوار مع سفير إسرائيلي بما تمثله العقلية العربية من ذاكرة مليئة بالمحرم والعداوة بين العرب واليهود. ولكني توقفت على ما ذكره السفير الإسرائيلي والذي كان خبيرًا في منطقة الشرق الأوسط، وهو يعتذر لطاقم الجريدة المحاور من عدم تمكنه من إجادة اللغة العربية نطقا بشكل تام. حيث وعدهم وبقرار قاطع "أنه سيكون أفضل من سيبويه" في اللغة العربية خلال ستة أشهر!.
توقفت عند ذكاء هذا الإسرائيلي في إختراق العقلية العربية من قبل "آخرين" مثل سيبويه الفارسي، وهو "اليهودي" لأن الأول صار عالما جهبذا في اللغة العربية، وهو سيصبح ناطقا مفوهاً بها.
...
في ذاكرتي أيضا نموذج سلبي لطبيب بيطري هندي، جاء في عقد لمدة أربع سنوات للخدمة في بلد عربي , إسلامي، وكان هذا الطبيب متميزا في عمله ومسالمًا ومحبًّا للجميع فبادله طلابه وزملاؤه في العمل مشاعرَ طيبة وأصبحوا أصدقاء له يتزاورون ويتبادلون الهدايا وهو فرح جدا بهذا الرخاء الروحي والمادي.
لكن المنعطف الخطير الذي حدث في حياة هذا الطبيب، عندما أستدعي للخدمة في حقل البيطرة عمليا وإدارته لحقول الحيوانات الداجنة وخصوصا "الأبقار"، فكان لابد من إعداد تقارير عن صحة الأبقار وصلاحيتها للغذاء ثم ذبحها.
فكان هذا الطبيب البيطري لا يوقع على أي تقرير يؤيد سلامة البقرة، ويهمش بكونها غير صالحة للأكل البشري، فأثار إصراره اليومي على عدم ذبح البقر السؤال من قبل كل العاملين في حقول تربية الأبقار، حتى اكتشفوا أن الرجل يدين بمذهب "الهندوس" والذي يحرم أكل البقر". وكاد أن يسبب في أزمة دبلوماسية بين بلده والبلد المضيف لولا تدخل السلطات العليا وإرجاعه الى بلده وجلب بديل عنه.
....
بعد سقوط "الصنم" العراقي وخروج العراق من نفق الظلمة يبدو أن العيون الجديدة لم تتلمس شدة الضوء لوجودها الطويل في نفق وعتمة الحياة، فإذا ما قدمنا العذر للعامة والبسطاء بالتصرف وفق نظرية رد الفعل " الميكانيكية" فحدث بالعراق كل هذه التصرفات جالبة للخجل العراقي وهو ينفعل وبحماس منقطع النظير لتحطيم كيانه المتعدد وهو "العراق" وينحاز إلى هويته الجزئية وصوته الطائفي وزفيره الحارق للجميع.
وبمرور الزمن كنّا نفترض نضوج "القادة" العراقيين وخطابهم، ورفض مبدأ المظلومية الفردانية الفئوية والانتظام لبناء دولة ومجتمع وفق مواصفات الإنسان الحديث، وبوجود عوامل غاية في الوفرة المادية في العراق لتحقيق هذا الأمل الواقعي جدًّا.
ظل ساسة العراق بمنأى عن النضوج مفضلين العيش في "خانة الأطفال الخُدّج" في مصحات دول القرار الاقليمية.
المعضلة الكبرى أنهم عراقيون، وليس لنا عقد محدّد لإنهاء خدماتهم!، وليس لنا سلطة لترقيع أثواب أفكارهم البالية أيضًا.
لأن "الخمرة الجديدة" لا تحفظ بزق قديم.