المنبرالحر

لماذا سرقت الدكتاتورية قصة فهد الاسدي ؟ / طه رشيد

مع مطلع السبعينيات بدأنا « نلتهم» ولا اقول نقرأ كل ما يقع تحت ايدينا من كتابات جديدة، وبالاخص تلك المشاكسة منها، او التي كنا نتصور بانها مشاكسة .وهذا يشمل حتى الفنون المرئية والسمعية. فالاغنية التي تتسم بهالة من العشق الصافي كنا نتصورها لم تكتب للحبيب الفرد، بل انها كتبت لحركة معارضة للنظام الشمولي. البرنامج التلفزيوني « السينما والناس» الذي كان يعرض مطلع السبعينيات من القرن الماضي وعلى القناة الرسمية كنا نؤول كل الافلام التي يعرضها ذلك البرنامج وكل ما تقوله مقدمة البرنامج الفنانة اعتقال الطائي بالضد من النظام .
كان للشعر حصة الاسد في اعادة انتاج وعي شريحة واسعة من الشبيبة ممثلا بقصائد سعدي يوسف وقبله السياب ويوسف الصائغ وبلند الحيدري والشاعر الكبير مظفر النواب. ولكن من جانب آخر كان للنثر ، ايضا، اثره البالغ فينا . فكانت في النقد الفني كتابات الشهيد قاسم عبد الامير عجام ، وفي القص كتابات الراحل فهد الاسدي، حيث تمر هذه الايام الذكرى الاولى لرحيله.
ويلخص فهد الاسدي قصة حياته بكلمات معدودة يكررها دائما « حين اتت بي امي الى الحياة، في قضاء الجبايش من محافظة ذي قار عام 1939 ، لم ادر اني سأصل الى هذا المكان واكون اديبا وقاصاً. ومع اني ومنذ الصغر كنت نهماً في القراءة، الا اني لم افكر يوما ان اكون كاتباً، وفي احد الايام قال لي زميلي.. لماذا لا ترسل للنشر؟ فقلت له: لا اجرؤ على ذلك. فقال كيف.. وانت كاتب فعلا.ويوما قررت ان ارسل قصتي الاولى عبر البريد الى مجلة ذائعة يكتب فيها كبار الادباء وكانت بعنوان «شجرة ورموز» وبعد انتظار دام 23 يوماً، جاء لي زميل بالمجلة وكانت قصتي منشورة. وبعدها ابتدأ المشوار».
ورغم اننا لم نطلع على كتابات سرية للاسدي، بل على قصصه التي كانت تنشر في الصحف ، الا اننا كنا نتلقفها كبيانات احتجاج او ككتابات مشاكسة .. كانت كتابة الاسدي تساهم بتقويض دعائم السلطة الدكتاتورية آنذاك لانها تساهم بتجذير الوعي عند القارئ، بمعنى انها تفتح له نافذة ضوئية لرؤية الحدث او التاريخ بمنظار لا يريح السلطة . ومن هنا جاء فرحنا بقصصه "طيور السماء" الذي صدر عام 1976 وهو يذكرنا بديوان سعدي يوسف « تحت جدارية فائق حسن» ، الذي صدر في نفس تلك الفترة .. فكلاهما مشاكسان بطريقة غير مباشرة، كانت كتاباته مؤثرة في وعي المتلقي وهذا هو اشد ما تخشاه النظم الدكتاتورية، مع انه لم يستطع ان يكتب كل ما يخالج نفسه، وكان محقا فهد الاسدي حين قال في آخر لقاء قبل رحيله : "الديكتاتورية سرقتني ولم تتح لي عرض قصتي الحقيقية".