المنبرالحر

البقاء دون تغيير ممنوع والعتب مرفوع / علي عرمش شوكت

ارتقت قناعة العراقيين في عشية الانتخابات الى امل بحصول التغيير لا محالة، وذلك استناداً الى ما وصلت اليه حالة الحكم التي انطوت على فشل وفساد اداري لا سابقة لهما، انعكست عنه شكوى غدت على كل لسان. انتهت عملية الانتخابات وسارع الجميع متطلعاً الى نتائجها الاولية، فلم يتلمسوا التغيير المنتظر للاسف الشديد. ومع ذلك تحركت الكتلة الحاكمة طارقة مختلف الالاعيب الغادرة للتشبث في مواقع نفوذها، متصدية لاي تغيير يمكن ان يتمخض عنه فرز الاصوات، مستشعرة بحسها وهواجسها بأنها اصبحت على حافة كرسي الحكم. وربما ستدفع الى خارجه بفعل استنفار الجماهير المتضررة من اساليب حكمها الفاشلة، والتافس الحاد من قبل الكتل المتنفذة الاخرى حول موقع رئيس الوزراء.
ان ما حصل من معطيات التحرك ينبئ باحتمال العودة الى نهج المحاصصة المقيت، الذي انهك الشعب واهلك البلد، وهذا الاحتمال سيفرضه واقع حال ذات القوى المتنفذة التي لم يتمكن احد اطرافها من الحصول على آهلية لتشكيل الحكومة، لا بمفرده ولا بحكومة اغلبية، التي قد بح صوت رئيس ائتلاف " دولة القانون " السيد المالكي لترويج تشكيلها، علماً انه يدرك تماما قد فقد رضا باقي الكتل السياسية، بمن فيهم اطراف في التحالف الوطني، وذلك من جراء نهجه الانفرادي الاقصائي الفاشل بامتياز، الذي مارسه على مدى ثمان سنوات مضت.
ان الغريب في الامر هو حصوله على اكثر الاصوات نسبياً، في حين كان اكثر الساسة الذين تعرضوا للنقد وللرفض من قبل الجميع الذين امتنعوا عن اعطائه دورة ثالثة لرئاسة الوزراء، واذا ما عنى ذلك شيئاً فاول ما يعنيه هو أن هذه "الكثرة التصويتية " ، التي حصل عليها، اما هي راغبة ببقاء الحال المتردي على ما هو عليه كونها مخدوعة الى حد فقدان الحس بالمسؤولية الوطنية بحكم ارتهانها بالتجييش الطائفي، كما انها لا تريد فقدانها للفوائد التي جنتها منه ،او غير آبهة بما سيحصل في البلد من كارثة شاملة بفعل غياب الوعي الموروث من النظام السابق، والمكرّس حالياً.
من المفيد ان نشير الى تلك الظاهرة المتجلية عادة في البلدان التي يتسع فيها الفقر والجهل والتخلف، والتي مؤداها ان الذي على راس السلطة عادة ما يكون " محصن " من الفشل في الانتخابات ..!! ، حيث ان الفوز فيها ياتي من خلال نافذتين اولاً سلطة الحكم وامتداد نفوذها، ومكاسبها الوظيفية التي سرعان ما يسيل لها لعاب اللاهثين ورائها من " القفاصة "، وثانياً من خلال سلطة المال المكرسة لشراء الذمم الرخيصة، التي ما اكثرها في المجتمعات التي يسود فيها العوز والحرمان، زد على ذلك دور الاعلام مضلل. هذه اللوحة لا يبتعد عنها حال مجتمعنا العراقي اليوم. مما يعتم الافق السياسي بعد هذه النتائج المعاكسة لتطلعات شعبنا بالتقدم بعد معاناة عشر سنوات من بلاوي المحاصصة الطائفية.
ان ما يثير الريبة حقاً حول مواقف بعض الكتل التي كانت تدعي رفض المحاصصة الطائفية بالامس، نراها اليوم متشبثة باحياء النهج الطائفي الاثني لادارة الحكم، وبنفس الشخوص الفاشلين وبالاليات المستهلكة، على قاعدة دولة " المكونات "، سنة، شيعة، اكراد، رغم فشلها وعدم جدواها وعجزها عن بناء دولة المواطنة. متناسية ان المكونات العراقية ليست مذهبية وعرقية فحسب، انما هنالك مكونات اجتماعية اخرى وهي المكونات الطبقية ذات السمة الوطنية العامة، اذ تشكل الهياكل الاساسية للمجتمع الحضاري العراقي.
ولكن السؤال المهم هو كيف ستعمل " قوى التغيير" في المرحلة القادمة ؟ ، وها قد تجلى عدم نجاحها في اقناع الطيف الاوسع من القوى التصويتية، بغية تغيير موازين القوى في الساحة السياسية العراقية . بيد ان امل الجماهير بالقوى الديمقراطية سيبقى مرتبطاً بقدرتها على استنباط وسائل الكفاح المناسبة، التي من شأنها التصدي لزحف التخلف، وهيمنة الاجندات الواردة من خلف الحدود.
يقيناً ستكون التحالفات هي القاعدة التي ستنبثق عنا الحكومة الجديدة، ولكن باية سياقات؟. سؤال موجب الطرح: هل سيتم ذلك على قاعدة " شيلني واشيلك " كالذي جرى ..؟ ، ام ان تجربة العشر سنوات الماضية قدمت درساً بليغاً لسياسيي البلاد مفاده، ضرورة اقامة دولة المواطنة ذات المؤسسات الناجزة بهياكلها التقنوقراطية الكفوءة..؟ والا بقى الحال على ما هو اسوء مما سبقه، عندها سينطق لسان حال الشعب ويقول: البقاء دون تغيير ممنوع والعتب مرفوع. وسيتحول الشارع الى برلمان للمعارضة، وهو الحكم العادل.