المنبرالحر

التحالف الوطني بين التجديد في الرؤيا أو الاستمرار على القديم!/ مصطفى محمد غريب

ـــ هل سيبقى التحالف الوطني على صيغته القديمة، تحالف شيعي يتبنى التقسيم الطائفي والقومي والديني والاثني على أساس الهيمنة والتفرد في رؤيته للمجتمع العراقي؟
ـــ وهل يتصور انه سيبقى يهيمن على السلطة خوفاً من الآخر ويحاول أن يبرر بقاءه تحت طائلة العنف والسلاح والأكثرية وهي نسبية بدون وجود نص دستوري يخوله ذلك؟
ـــ أم سيحاول تجديد خطابه ونظامه الداخلي وبرنامجه السياسي الجامع لزرع الثقة في رؤية حضارية تؤمن بوحدة الشعب الوطنية وتداول السلطة سلمياً؟
ـــ هل سيبقى محصوراً بطائفة دون أخرى عراقية أو يتجاوز ذلك نحو الإيمان بالوحدة الوطنية ويعتمد في برنامجه على المواطنة لجميع المكونات العراقية، وتحقيق الحقوق والمطالب الحقيقية للمواطنين في دولة القانون الصحيحة والتخلص من التبعية وعدم السماح بالتدخل الخارجي؟
هذه وغيرها من الأسئلة والاستفسارات تدور في ذهن من يتابع مستقبل العراق ووحدته الوطنية للتخلص من غبار السنين التي تلت سقوط النظام البعثي بأمل قيام الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية التي تكفل للجميع حق المواطنة بدون إقصاء أو تمييز ديني طائفي أو قومي أو أثني.
إن التحالف الوطني الذي قام ما بعد الانتخابات البرلمانية في( 7/آذار/2010 ) لظروف تلك المرحلة التي فوتت على القائمة العراقية فرصة التكليف لتشكيل الوزارة يمر باختلاف في وجهات النظر حول إدارة العملية السياسية وما يخص تولي السيد نوري المالكي رئاسة مجلس الوزراء وبخاصة رئاسته الثانية التي تمخضت عن عشرات المشاكل والأزمات وأدت إلى تدهور غير مسبوق للعملية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية... الخ مما أدى إلى اتساع رقعة الخلافات بين هذا المكون السياسي الشيعي حتى بات الأمر لدرجة الظنون بجدوى استمراره وسط خلافات كما صورها وتصورها بعض الكيانات المتحالفة ضمن التحالف الوطني وبخاصة قبل فترة وجيزة من الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ووصل الأمر برئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي في مقابلة مع الفرنسي " مارك بيرلمان" لإحدى الفضائيات الفرنسية بكيل الاتهامات وحتى الاستهزاء من السيد مقتدى الصدر الذي أشار عنه( انه لا يفقه في السياسة ولا يعرف الدستور ) بعدما صدر عن مقتدى الصدر اتهامات بأن نوري المالكي " طاغية و دكتاتور " وكردة فعل انفعالية غير سليمة لرجل يعتبر الرجل الأول في الحكومة العراقية وقائداً للقوات العسكرية أجاب السيد نوري المالكي " ما يصدر عن مقتدى الصدر لا يستحق الحديث .. تكلم لي بغيره، وهو حديث في السياسة، لا يعرف أصول العملية السياسية والدستور لا يعني شيء لمقتدى الصدر ، لا يفهم قضية الدستور، ضوابط والتزام بالدستور بالنسبة لمقتدى الصدر وغيره يعتبر غريب " كما أدلى عمار الحكيم بعدة تصريحات تلميحية حول فشل نوري المالكي واحتقان العملية السياسية وشدد على التغيير وهو يعني ضمناً رفض الولاية الثالثة لرئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، وخلال تحركات عمار الحكيم ولقاءاته بالمرجعية الدينية الشيعية وبمقتدى الصدر وغيره فقد كشف عن توجهين لتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات في مقدمتهما " التركيز على مبدأ لا للولاية الثالثة لنوري المالكي " ورفض أية ولاية ثالثة لأي شخصية غيره لكي لا يتم " تكريس الدكتاتورية " وكان عمار الحكيم قد التقى بأحد المراجع الكبار بشير النجفي " الذي حرم انتخاب المالكي قبل أيام قلائل من الانتخابات التشريعية " أما التوجه الثاني هو تجديد التحالف الوطني على أسس جديدة، كما أن هناك أطراف عديدة انتقدت الأوضاع السياسية المتأزمة وأشارت بشكل ما إلى مسؤولية نوري المالكي في إدارة شؤون البلاد، هذه التصريحات والاتهامات هي من داخل التحالف الوطني، أما خارجه فحدث فلا حرج مما يدل على الرغبة الجامحة والواسعة لرفض تولي نوري المالكي رئاسة مجلس الوزراء للمرة الثالثة وهو احتقان باختلاف وجهات النظر، وعلى ما يظهر ارتأت أطراف التحالف الوطني الإسراع في سد الثغرات لكي لا ينهار التحالف الوطني خوفاً ليس على مصلحة البلاد بل على فقدان السلطة أي تشكيل الحكومة القادمة، ولهذا بادر حسب ما نشر في المسلة إلى " تشكيل لجنة لمناقشة نظامه الداخلي وتطورات المرحلة المقبلة " وهذه العملية تعيد للأذهان نتائج السنين السابقة وقيادة نوري المالكي الذي كان ليس ممثل ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة فحسب بل التحالف الوطني والذي بأكثرية نيابية ثبت ولايته الثانية وبتوافقات ومحاصصات طائفية وحزبية وقومية ضيقة من خارج التحالف الوطني.
كان المفروض تشكيل اللجنة لمراجعة نتائج تحالفهم وكشف السلبيات وتعثر قيادة الدولة وسوء استخدام السلطة من قبل السيد نوري المالكي وحلفائه، أما مناقشة النظام الداخلي فذلك جيد ومقبول ولكن كان يجب أن تجري مناقشة البرنامج القادم للتحالف إذا كانت النية في البقاء عليه، وباعتقادنا أن البرنامج سوف يكون شاهداً حياً على مدى تجدد الرؤيا لتطورات المرحلة المقبلة والخروج من أسر الطائفية إلى العراقية، لكن على ما ظهر في بيان مكتب رئيس التحالف إبراهيم الجعفري الذي ذكر أن "الهيئة السياسية للتحالف الوطني اجتمعت بكافة مكوناتها، بحضور رئيس الوزراء نوري المالكي، وناقشت التجربة الانتخابيّة، وما تخللها من نتائج معتبرة نجاح الانتخابات إنجازاً وطنياً يُحسَب للعراقيين كافة" فإن تقييم المرحلة السابقة وأسباب الفشل الذي رافق أداء رئيس الوزراء وحكومته لم تكن ضمن النقاش أو الحوار الذي أعلن عنه بل بقى مقيداً " بردم الفجوة " التي عرقلت البعض من الإنجازات وكأن الأمر متعلق ببعض التنفيذات وليس بالسياسة التي اتبعت خلال الأربع سنوات الماضية، ولا نعرف ماذا احتوى التقرير الأمني وما هي الاستنتاجات والمعالجات حول آخر تطورات في الوضع الأمني الذي قدمه السيد نوري المالكي للهيئة السياسية للتحالف الوطني بل جرى الإشارة له بشكل عابر غير تفصيلي، وفي جانب آخر ذكرت تفصيلات لاغنى عنها مثل " أن الهيئة السياسيّة شكلت لجنة من ثماني شخصيات... الخ " وكان المفروض على الأقل أن تتم الإشارة إلى البعض من الأمور الذي احتواها التقرير الأمني ومنها الحرب الدائرة في الانبار والفلوجة والضحايا من كلا الطرفين التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى والمصابين والمهجرين وخراب ودمار واسع طال المئات من الدور السكنية والمرافق العامة، ولا نعرف ما هي المعالجات التي تضمنها التقرير الأمني وبخاصة قضايا التفجيرات المستمرة ونسوق مثالاً ففي يوم الثلاثاء 13/5/2014 حيث نقلت وكالة خبر للأنباء " واخ " عن الانفجارات العشرة التي وقعت في بغداد في حي أور ومدينة الصدر ومناطق الشعب والبلديات ومجمع المشن وساحة عقبة والدورة وغيرها حيث بلغ عدد القتلى والجرحى أكثر من ( 65 ) وللعلم أن التفجيرات والمفخخات مستمرة حتى اللحظة الراهنة ولا يوجد في الأفق شيء اسمه تقليصها.. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح
ـــ هل احتوى التقرير على البعض من المعالجات حول الوضع الأمني السيئ وكيفية الحد منه والأسباب العديدة التي تجعله يستمر بل يتزايد، والى متى يتحمل المواطن البريء هذا الإرهاب والقتل والتفجيرات؟
ـــ إلى متى تعيث المنظمات الإرهابية والميليشيا الطائفية والمافيا الإجرامية المنظمة فساداً وإجراماً وقتلاً وإرهاباً وهذا الكم الهائل من الأجهزة الأمنية؟
ـــ إلا يستحق المواطن البريء معرفة ماذا ينوي التحالف الوطني لإعادة الاستقرار والأمن له ولعائلته ولعموم الشعب إذا قرر أن يقود السلطة بتشكيل الحكومة القادمة؟
إن التجديد لولاية ثالثة لنوري المالكي عن طريق التحالف الوطني بصيغته واشكالياته القديمة سوف تجعل من الوعود الانتخابية بالتغيير وحل المشاكل المتعلقة بالعملية السياسية والسعي لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية ومكافحة الفساد وعدم اللجوء للسلاح والعنف ومعالجة الأوضاع المعيشية والخدمية السيئة وقضايا البطالة والفقر والسكن لصالح المواطنين الفقراء وأصحاب الدخول الضعيفة ورفض الولاية الثالثة لنوري المالكي التي أطلقتها الكيانات المتحالفة مع ائتلاف دولة القانون وهي المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم والتيار الصدري سيعني أنها كانت للاستهلاك وعبارة عن محاولات لكسب الصوت الانتخابي لكي يتم تمرير ما يمكن تمريره والعودة للمربع الأول في تشكيل الحكومة الجديدة وهذا مرفوض وغير مقبول ولا يمكن أن يخلق التفاهم والحوار ويحقق السلم الاجتماعي المنشود .
إن الدعوة " للنفير العام" من قبل المرجع الديني عبد الملك السعدي ثم تصريحه في اتهامه التالي " الهدف ليس قتال الإرهاب أو ما يسمونه داعشياً أنَّ وجودهم لا يستوجب هذا التصعيد الغاشم والإبادة الشاملة". وقد اتهم السعدي رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي بأنه يقوم " بالابادة الجماعية وتخريب وهدم الفلوجة والرمادي " هذه الدعوة وغيرها من الدعوات من الجهة الأخرى لا يمكن أن تمر بسلام إذا لم يتخذ التحالف الوطني موقفاً وطنياً مسؤولاً لحل الأزمة المستفحلة التي تمر بها البلاد لأنها ستؤدي مع عوامل كثيرة في استمرار التدهور وتمزيق وحدة الشعب والوطن، لا يمكن أن تعود العجلة إلى الوراء بحجة التقدم، وليس على طريقة ما صرح به القيادي في حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون علي الأديب إن "التحالفات المقبلة بين المكونات السياسية لن تخرج عن الصيغ القديمة من بعض التغيرات، لأن المسببات والدوافع التي بنيت على أساسها التحالفات القادمة لا تزال قائمة" فهل هذه الدعوة أو الحديث الصريح يخدم المرحلة القادمة ويتم إخراج البلاد من عنق الزجاجة؟ بالتأكيد الجواب كلا ثم كلا، ولهذا ومن باب الحرص يجب أن لا تقاد الدولة والحكومة بالأسلوب السابق الذي كان بعيداً عن آمال وتمنيات وتطلعات الأكثرية من العراقيين في إقامة العدالة الاجتماعية وقيام الدول المدنية التي من اولوياتها استقلالية السلطات ،التشريعية والقضائية والتنفيذية وخلق مستلزمات التعاون الايجابي فيما بينها لتحقيق العدالة والقانون.