المنبرالحر

قليل الحيلة وكثيرها / قيس قاسم العجرش

"باتساع دائرة المنتفعين حولكم، صِرتم أقربَ إلى(الرهينة) منكم إلى (الرئيس)، ويكفي أن تلاحظوا الحراك الجاري ضدّ استمراركم في الحكم، لتنتبهوا إلى أنَّ الأمرَ صار مُعقّداً، ولم تعودوا تحوزون تلك الثقة بقدر ما صرتم مبعثاً للشفقة، سيادة الرئيس".
هذه سطور من رسالة وجهها إثنان من الشعراء الجزائريين المُهمّين على الساحة الثقافية الجزائرية، الى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قبل إعادة توليه السلطة على كرسي متحرّك اصطحبه معه الى محطة الإقتراع ورمى بالورقة بإيماءة لأنه لا يقوى على رفع يده.
ومع ذلك فإن يده الأخرى، أي الجيش، ما زالت تعمل وبضراوة تخويفية دفعت الناس فعلاً في محافظات بعينها الى إنتخابه.
لكن هذه اليد لم ترهب قلم هذين المثقفين فتمنعهما من ان ينتقدا ما أفرزته مؤسسة الجيش هناك من حاشية، أصبحت أشبه بمليشيات تختطف مكتب الرئيس وتتكلم باسمه طالما إن الرئيس نفسه لا يعي بالضرورة ما يحدث حول رأسه.
رسالة مفتوحة من مائتي كلمة إنتشرت بشكل ارتعبت له السلطة، التي ليس لها أن تصف هذين المثقفين بأنهما من أتباع «التكفير والإرهاب وجماعات الذبح».
وارتعبت له ايضاً أسرتا الشاعرين بعد «استجواب» زوجة احدهما في المخابرات العسكرية! وهي أستاذة في جامعة وهران.
هذا ما يمكن أن نطلق عليه «تكاليف» الإعتماد على «يــد» قوية، لكنها آتية من خارج منظومة السلطة المدنية. يمكن أن يصبح الرجل القوي الذي يفرض النظام على الإرهابيين هو بذاته رهينة لهذه اليد التي استخدمها في يوم من الأيام.
المثقف الجزائري هنا وقف على مسافة خوف لم تلتبس عليه كما فعل الكثير من العوام، وهو بذلك استخدم»البرج العاجي» الذي تتهمه به السلطة والناس على حد سواء من أجل ان يخدم هدفاً أسمى بكثير.
كنت أتصور ان الإنتخابات في الجزائر تعرّضت ببساطة للتزوير المفضوح مثل أي بلد من بلدان عالمنا الثالث، الى أن شرحت لي صديقة صحفيّة جزائرية تفاصيل مهمة عن إنتخاب حقيقي جرى في أماكن كثيرة لصالح الرئيس الميّت!
تم تهديد الناس بمصادر رزقهم، وتمت مساومتهم على مصالحهم، والقوة العسكرية تتحكم فعلاً بملفات البسطاء، وتهمة العلاقة بالجماعات الإرهابية تهمة جاهزة تطقطق لها عظام عامة الناس، كما إن "المصلحة" في إنتخاب الرئيس وحزبه أدسم.
لا أحد يريد أن يرى نفسه في موقف"إستجوابي!" لدى المخابرات العسكرية بتهمة تحريض ضد الرئيس! وحزبه، الذي اصبح هو الجيش وهو الدرك وهو المخابرات.
إثنان فقط من المثقفين كان لهما رأي آخر وقالا كلمتهما حتى وإن تعرضا الى لوم وإرعاب من قبل الناس أنفسهم..الناس الذين يجيدون صنع طبخة"المَحاجـِب" وهي أكلة جزائرية لذيذة، ويجيدون أيضاً بث الخوف حتى لو كان خوفاً من رئيس ميت!