المنبرالحر

تداعيات أخونة الشرق اﻷوسط / د.علي الخالدي

أتابع ما ينشر وما يطرح في جريدة "طريق الشعب" الغراء من أفكار تحليلية للإنسياب السلس للأفكار اﻷخوانية في منطقة الشرق اﻷوسط، في أجواء من الصمت المطبق، والدعم المبطن من الدول الطامعة بثرواتها القريبة والبعيدة ، تجاه ما تحدثه من تغيرات على الساحة العربية ، وخصوصا بعد إنكشاف حقيقة التوجه اﻷخواني المزايد على حقوق شعوب المنطقة، وتدخله في شؤونها بما يمده من مخالب إزدادت طولا في الفترة اﻷخيرة، لتنهش بها اﻷستقرار اﻷمني والتعايش السلمي لشعوب المنطقة الذي لن يستقيم كما يدعون إلاّ تحت راية خلافة الدولة العثمانية التي يحلم بإحيائها حزب أردوغان، وبما يتناسب، ومشروع الشرق اﻷوسط الكبير الذي تفكر به القوى الكبرى بشكل يحقق منافعها الخاصة بالنفط.
فمنذ ثورة تموز المجيدة، تضامنت هذه الدول وشركات النفط، لوضع حد، وإعاقة أي نهج وطني نحو التقدم وتحرير ثرواتها النفطية من هيمنتها. فكانت تجد في اﻷخوان المسلمين الجسر الذي تعبر عليه للوصول الى ما تخطط له، وبشكل يُخفي وراءه اﻷستغلال والجشع لبرجوازية شعوب المنطقة بعباءة التدين (على الرغم من التحالف غير الطبيعي بينهم) بعد إحكام السيطرة على مقادير المرحلة الإنتقالية لبلدان تخلصت من أنظمتها الدكتاتورية سواءا بقواها الذاتية أو بفعل العامل الخارجي، وذلك بوضع يدها على القطاع اﻷمني واﻷقتصادي، طبقا لمبدأ من يملك الثروة والسلاح له الغلبة على كافة المستويات. وهذا ماهيأته لهم أمريكا وأعوانها، ومن ثم الالتفاف على الثقافة وإحتكار التربية والتعليم الأولي والإعلام لكي يلبي توجهات نشر معطيات نهجه الذي لا يؤمن أصلا بالتحول الديمقراطي والاجتماعي لمجمل مكونات نسيج مجتمعاتها، وصولا الى تشظيها وبالتالي تشويه تقاليدها الأصيلة، وفرض معطيات غريبة غير متعارف عليها في تلك المجتمعات وتوجيهها لخدمة مشروع التطرف اﻷسلامي ومموليه من الدول الرأسمالية القريبة والبعيدة الذي بدأ بالتخطيط له منذ خمسينات القرن الفارط.
فمنذ فترة تدور في رأسي المشاهد المريبة في بلدان عملت بها كاليمن و ليبيا وسوريا (مصر ولبنان من خلال زياراتي لهما)، وما يحصل حاليا فيها، وفي سوريا وقبلهم العراق، وما جرى ويجري من مد وجزر في العملية الأنتقالية بفعل التدخل اﻷخواني التركي والسلفي اللذان يتصارعان على موقع المرجعية العليا في العالم اﻷسلامي، وخاصة بعد أن نجح اﻷخوان في إستعراض عضلاتهم في ساحة تقسيم ضد المنادين بالديمقراطية والعدالة اﻷجتماعية، ليكون قدوة لبقية اﻷحزاب اﻷخوانية في المنطقة في كيفية إيقاف طموحات شعوبها، بإستنهاض خلاياها النائمة قبل عشرات السنين. ففي اليمن لا زالت مكبرات الصوت التي تنطلق من الجوامع وهي تنادي بعد كل صلات بنصرة اﻷخوة في الشيشان، وبجمع التبرعات لهم، ترن في أذني، وفي ليبيا بنصرة اﻷسلام ضد الكفار من الديانات اﻷخرى ومحاربة تواجدهم الخدمي فيها، وفي سوريا بخطر العلمانية والدعوة لتنظيف البلاد منهم. أما في مصر، فالمسلم الماليزي أفضل من المصري القبطي، وإذا لم تكن إخوانيا فانت غير مصري. وفي العراق يثار التعصب الطائفي. قبل ذلك لا يُعرف دين ومذهب الشخص إلا من خلال دخوله الجامع أو المسجد أو الكنيسة.
يستعجل اﻷسلام السياسي المتشدد مسخ شخصية الفرد ومقومات المجتمع بإنفراده بالمرحلة اﻷنتقالية وإبعاد القوى التي ناضلت بشكل فعال في التخلص من اﻷنظمة الشمولية في المساهمة، معرقلا كنس موروثات اﻷنظمة المقبورة، وخطط التنمية واﻷصلاح في المرحلة اﻷنتقالية، بوضع معوقات تلعب بهذا الشكل أو ذاك في تعسير الخروج من المرحلة اﻷنتقالية، وإتمام عمليتها السياسية بسلاسة، وذلك بفرض قوانين وتعليمات تجبر بشكل مباشر وغير مباشر على إنصياع وإخضاع المواطن لتبني نهجه بعد سرقة مشعل ربيعه، وتحويله الى شتاء تُجمد برودته ثقافة الإعتراف بالآخر، وبمواقعه الفكرية والدينية التي يراها الإسلام السياسي المتشدد خطرا على مصالحه الذاتية والمذهبية، معتبرا ردة فعل المواطن بالتظاهر، حبا للدماء، وليس لإشاعة الديمقراطية والكلمة الحرة التي غيبتها القوانين القسرية، بإثارة النعرات المذهبية والطائفية (مصر والعراق وسوريا)، والمللية في تونس وليبيا باﻷضافة الى العشائرية في اليمن، هادفا لسد طريق التقرب من ساحة الديمقراطية الأجتماعية (بفقرات دستورية ….على أن لا يتعارض مع الشريعة اﻷسلامية)، وعدالة إستحقاقاتها، بينما ترتفع أصوات جوقة الأنظمة بالتغني باتساع دائرة الديمقراطية السياسية وحرية الإعلام الذي ما إنفك يناضل من أجل سلاسة الوصول إلى المعلومة.
لم تستغل اﻷنظمة المقبورة النمو السكاني السريع في هذه البلدان، حيث غابت التنمية البشرية ومعها بقي مشلولا وغير حاضر بمواكبة التطور التكنولوجي، تواصلا مع خطط وإرادة الدول الطامعة، ليبقى الفقر واﻷمية المتصاعدة في أوساطه سهلة اﻷنجرار وراء اﻷغراءات المادية، وتقبل اﻷفكار الطائفية والمذهبية مصحوبة بالخرافات والسحر والشعوذة التي إنتعشت في أجواء المراحل اﻷنتقالية لشعوب المنطقة. لقد إستغل اﻷسلام السياسي المتشدد الديمقراطية والفلتان اﻷمني في المرحلة اﻷنتقالية لتهميش وعزل ذوي الكفاءات من الدوائر الثقافية، وإغتيال الناشطين في مجال الفكر والإعلام منهم، ليهيمن رجال الدين على مفاصلها، فقاموا بحذف الموسيقى والمسرح من المناهج التعليمية وتوجيه عموم المناهج لخدمة فكر التشدد الإسلامي، ومُنع التعليم المختلط واﻷختلاط بين الجنسين، مما سبب المد والجزر وعدم الأستقرار في تلك البلدان.
فالهجمة اﻷخوانية والسلفية في المنطقة لا تلقى الدعم والتشجيع المادي واللوجستي من دول الاستعمار اﻷقتصادي الجديد فحسب ( فبدون هذا الدعم ﻷهتزت الكراسي ). وإنما تشجيعهم على الإمعان بنشر مفاهيم التطرف الديني والمذهبي، علاوة على تضييع فرصة إقرار طابع النظام اﻷجتماعي، بخطاب تحريضي على العنف وتبنى مفاهيم غير موضوعية تحت ستارعولمة اﻷسلام. ومع السكوت عن إنحباس الموضوعية في التقدير والتوازن بين الثروات الوطنية وعدد السكان، وتصاعد الإسراف الحكومي الغير خاضع لمقاييس ومراقبة شعبية، وتراجع مستوى معيشة عموم الناس، بأساليب جديدة، منها ما تدعو لمحاربة الثقافة التي تخاطب العقل والفكر في أوساطهم، ومنها ما يقوم على تغييب التوافق الوطني الحقيقي أو الشراكة الحقيقية، ومنها ما يُميز بشكل واضح بين المرأة والرجل وعدم تشريع قوانين ضامنة لحقوقها، تعاقب من يسيء اليها، مع التتثقيف بعورتها.  .