المنبرالحر

نكسة حزيران .. الأسباب والنتائج/ احمد عواد الخزاعي

أعتاد العرب عبر التاريخ بعدم قدرتهم على الاعتراف بهزائمهم او استيعابها لاخذ العبر والدروس منها فمنذ سقوط الدولة العباسية عام 1258 ميلادي والى الان وهم يعيشون الفترة المظلمة وحالة الانزواء في كل الاحداث التي تدور من حولهم حتى لو كانت هذه الاحداث تساهم في تقرير وجودهم وبقاء كيانهم كأمة جمعتها الكثير من عوامل البقاء ..حتى قال الكاتب الاميركي ول ديوراينت بحقهم في كتابه (قصة الحضارة )..ان العرب الموجودين حاليا ليس هم العرب انفسهم الذين خرجوا من صحراء الجزيرة العربية واستطاعوا غزو العالم القديم والسيطرة على الكثير من اجزائه..وقد عزا هذا الاختلاف لكثير من الاسباب لامجال لذكرها الان ..غير اننا نستطيع ان نقر بهذه الحقيقة المرة ، وخصوصا اذا استعرضنا تاريخه الحديث وما شابه من مظاهر التخاذل والخنوع والتاّمر، نشات اسرائيل ككيان صغير يحبو بين اكبر عمالقة التاريخ (حضارة وموروثا وفكرا انسانيا ) وهم مصر والعراق وبلاد الشام ..ولكنه بالرغم من ذلك استطاع ان يتحول الى واقع فرض نفسه على الجميع بخنوعهم وقوة السلاح ..فاصبح صراعهم معه رهين النكبات والانتكاسات ..فبعد نكبة 1948 والتي تلاشت فيها فلسطين من الوجود الجيوسياسي ..جاءت نكسة حزيران عام 1967 لتكمل حلقة التاّمر والهزيمة..فبعد استعداد عربي وتعبئة واستنفار مسبق وسجالات دامت لاشهر طويلة ، هزمت الجيوش العربية عن حين غرة كما ادعت حكوماتها اّن ذاك، وخسر العرب ماتبقى من ماء وجههم ، ففرطوا في ستة ايام (5-10 ) حزيران من الاراضي العربية ما لم يفرطوا به على امتداد صراعهم مع اسرائيل الذي دام تسع عشرة سنة ..حين هاجمت القوات الاسرائيل في صبيحة الخامس من حزيران عام 1967 بكل تشكيلاتها العسكرية القوات العربية المتكونة من جيوش مصر وسورية والاردن والعراق ..واستطاعت احتلال والسيطرة على الكثير من الاراضي والمدن العربية مثل عزة والضفة الغربية من ما تبقى من الاراضي الفلسطينية بعد حرب 1948، والجولان السوري وشبه جزيرة سيناء في مصر ..ودمرت ثمانين بالمئة من القدرة العسكرية العربية بينما هي لم تخسر سوى اثنين بالمئة من قواتها ، وراح ضحية هذه الحرب خمسة وعشرون الف عربي مقابل ثمانمئة اسرائيلي ، أضافة الى الاف الاسرى والمجروحين من القوات العربية وخصوصا من الجيش المصري الذي كان يمثل الركيزة الاساس لهذه القوات العسكرية .. وقد سبق هذا الهجوم حراك سياسي وعسكري من كلا الطرفين كان سببه هو العمليات الانتحارية التي كان ينفذها رجال المقاومة الفلسطينية على اهداف عسكرية في اسرائيل يكون منطلقها الاراضي العربية ، مما دعا رئيس وزراء اسرائيل ليفي اشكول الى التصريح في 1 ايار 1967 كما ذكر محمد حسنين هيكل في كتابه (1967 الانفجار).. (انه في حال استمرار العمليات الانتحارية في اسرائيل من قبل المنظمات الفلسطينية فأن اسرائيل سوف ترد بوسائل عنيفة على الارهاب )..وكذلك هدد رئيس الاركان الاسرائيلي كما ذكر الكاتب جيرمي بوين في كتابه (ستة ايام ) ..انه اذا لم يتوقف الارهاب الفلسطيني في الجليل فأن الجيش سوف يزحف نحو دمشق ..وعلى اثر هذه التصريحات قامت القوات الاسرائيلية بخطوة استفزازية بأجراء استعراض عسكري في القدس خلاف المواثيق الدولية التي اعتبرت القدس منطقة منزوعة السلاح ..بالمقابل كان الطرف الاخر الذي تمثل بجمال عبد الناصر ينتهج لغة التصعيد ايضا على الرغم من معرفته جيدا بعدم قدرته على المواجهة والصمود اذا ما وقعت الحرب ، ففي اذار من نفس العام الذي وقعت فيه الحرب قام جمال عبد الناصر بزيارة سوريا والتوقيع على اتفاقية دفاع مشترك بين الطرفين وهدد من هناك بالغاء اتفاق وقف اطلاق النار المبرم بين العرب واسرائيل عام 1949 بقوله ( اذا اعادت اسرائيل عملية طبريا فان اتفاق وقف اطلاق النار هو مجرد ورقة )..وقد سبق هذه التصريحات تدهور كبير على الحدود بين العرب واسرائيل وخصوصا عام 1966 حيث حدثت اشتباكات في الجولان وغور الاردن وقصف مدفعي متبادل بين القوات السورية والاسرائيلية، وكان اكبرها هو اسقاط اسرائيل لست طائرات نوغ ميغ 21 سورية اربع فوق الاراضي الاردنية وقد سلم ملك الاردن الحسين بن طلال الطيارين الى سوريا واثنين فوق الاراضي السورية ، وفي 14 ايار 1967 زار رئيس الاركان محمد فوزي سوريا لقيام بالتنسيق بين البلدين استعدادا للحرب وفي اليوم التالي تم نقل قوات عسكرية مصرية على الحدود الشرقية ،ليتم بعدها اعلان حالة الطوارئ في مصر ومن ثم اعلان وزير الخارجية السورية ابراهيم ماخوس من مصر الجهاد ضد اسرائيل ..ان من يتابع هذه الاحداث يجد ان حجم الاستعدادات والتصريحات الرنانة للقوميين العرب لايوازي حجم الهزيمة التي منوا بها في هذه الحرب وهذه العقلية الانتهازية الاستعراضية هي التي جرت الويلات والانتكاسات على شعوبنا العربية وقادتهم من هزيمة الى اخرى ، والعراق في ظل حكم البعث خير مثال على ذلك ..فهي لاتهتم بالنتائج والتداعيات وما ستؤول اليه الامور بقدر اهتمامها بترسيخ حكمها واستعراض قوتها المزيفة على الاخرين ومحاولة تسليط الاضواء عليها ، ويذكر محمد حسنين هيكل في كتابه (الانفجار )..ان ممثل المخابرات السوفيتية في مصر قد اخبر قبل اسابيع من الحرب رئيس المخابرات المصرية صلاح نصر ..ان اسرائيل قد حشدت احد عشر لواء على حدودها مع مصر، وقد قام الاتحاد السوفيتي بطلب توضيح من الاسرائيليين حول هذه الحشود فارسل ليفي اشكول رئيس الزراء الاسرائيلي رسالة الى رئيس الاتحاد السوفيتي الكسي كوسيفين ينفي فيها هذه الانباء، الا ان في صبيحة الخامس من حزيران نفذت اسرائيل ضربة جوية لجميع القواعد والمطارات المصرية ودمرت وعطلت حركة 420 طائرة مصرية ..ويعتقد الكاتب محمد حسنين هيكل بان ضرب الاسطول الجوي المصري كان السبب الرئيسي وراء الهزيمة ، والمفارقة الغريبة ان الطائرات الاسرائيلية نفذت غاراتها وعادت الى اسرائيل دون علم القيادة المصرية بذلك ، وان وزير الدفاع المصري عبد الحكيم عامر كان في زيارة لسيناء دون معرفته بالغارات الاسرائيلية وانه حاول الهبوط في مطارات سيناء فوجدها مدمرة فعاد وهبط في مطار القاهرة وقد برر ذلك بعدة اسباب منها ..ان الطائرات الاسرائيلية كانت تطير على علو منخفض جدا ولم تستطيع الرادارات اكتشافها ، والبيروقراطية الادارية للجيش المصري التي اخرت ومنعت استخدام صواريخ الارض جو ضد الطائرات المغيرة على الرغم من ابلاغ الاردنيين بان احد الرادارات اكتشف سرب من الطائرات الاسرائيلية تقترب من الحدود المصرية ..وردت الطائرات السورية والعراقية والاردنية على هذه الغارات بشن غارات داخل العمق الاسرائيلي كانت النتيجة اسقاط عدد كبير منها واغارة طائرات اسرائيلية على المطارات العسكرية غرب العراق وتدمير عشر طائرات عراقية كانت فيها، وفي اليوم التالي احتلت القوات الاسرائيلية غزة وسيناء على الرغم من وجود اكثر من مئة الف جندي مصري فيها والذين قتل معظمهم واسر وهرب ما تبقى منهم ..وقد اقنع جمال عبد الناصر الملك حسين بدخول الحرب للتخفيف عن الجبهة المصرية وكانت النتيجة هي سقوط القدس بيد الجيش الاسرائيلي ووصوله الى جبل الزيتون وحائط المبكى وسقوط الضفة الغربية ووصول القوات الاسرائيلية الى نهر الاردن وقيامها بقطع الجسور الموجودة عليه ..اما الجبهة السورية فكانت القوات السورية تتالف من احد عشر لواء والقوات الاسرائيلية من اربعة الوية الا انها استطاعت من السيطرة على الجولان ودخول عاصمتها القنيطرة بعد معارك دامت ليومين فقط ..وما ان حل العاشر من حزيران الا والعرب قد هزموا واندحرت جيوشهم وحدثت ما اطلق عليها بالنكسة ،ويقول الكاتب الفلسطيني بسام ابو شريف في كتابه (ياسر عرفات )..لقد ساد العالم العربي اعقاب النكسة جو من الكآبة والاحباط بينما راحت اسرائيل تتباها بمنجزاتها في هذه الحرب وطأطأ العرب رؤسهم خجلا..وقدم جمال عبد الناصر استقالته والتي سحبها لاحقاً ، وعقدت في شهر اّب قمة عربية طارئة في الخرطوم لتقول لاءاتها الثلاث ردا على النكسة (لا للصلح لا للاعتراف باسرائيل لا للتفاوض )..وقررت توحيد الفصائل الفلسطينية ودعمها ماديا لتاخذ على عاتقها الوقوف في وجه اسرائيل بعدما عجزت جيوش اثنان وعشرون دولة عربية عن فعل ذلك ..وفي ايلول من نفس العام أنتحر وزير الدفاع المصري عبد الحكيم عامر في ظروف غامضة بعد تناوله كمية كبيرة من الادوية ..لتهجر بعدها اسرائيل اكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني من الضفة الغربية الى الاردن و الشتات على مرأى ومسمع من العرب والعالم ، ويطوي العرب صفحة اخرى من تاريخهم الحديث المليئ بالمؤامرات والانتكاسات والهزائم وتدفع الشعوب العربية ثمن حماقات حكامها ورهاناتهم الخاسرة لتكون الضحية الكبرى في هذه الهزيمة هي الكرامة العربية .