المنبرالحر

الوصاية على المصارف الخاصة / محمد شريف ابو ميسم

تكررت الوصاية التي يفرضها البنك المركزي على مصارف القطاع الخاص، والوصاية تعد مؤشرا خطيرا في العمل المصرفي في بلد ينتقل من شكل اقتصاد دولة الى نظام اقتصاد السوق، ويراد له ان يشهد تنمية حقيقية، فيما تحتدم فيه التجاذبات السياسية ويزداد وضع العصي في العجلة فتتلكأ فيه التشريعات والخطط والبرامج الاقتصادية، ويعاني من سوء الادارة المالية والبيروقراطية وتنعدم فيه الشفافية بشكل لافت ويعد مناخا طاردا للاستثمار على الرغم من تعدد الفرص الاستثمارية الواعدة .
مقابل ذلك تتواصل المطالبات بدعم القطاع الخاص الذي يبحث عن الربح السريع وفي مقدمته المصارف الخاصة.. ولا تقف المطالبات بدعم المصارف الخاصة عند الذي حصل عليه هذا القطاع على مدار السنوات العشر الماضية حيث ابلت السياسة النقدية منذ العام 2004 و اجزلت العطاء للمصارف الخاصة من خلال ادواتها التي اعتمدت منهج الاستثمار الليلي فمنحت نسب فائدة وصلت 21 بالمئة لودائع هذه المصارف (يمكن احتسابها يوميا)على مدار نحو خمس سنوات قبل ان تشرع بخفضها تدريجيا فتراكمت الارباح وكان لمزاد البنك المركزي دور كبير في زيادة اموال هذه المصارف التي بدأت كدكاكين منذ ذلك الحين حيث تحصل على ما تريده من الدولار دون تحاسبات ضريبية للزبائن ودون اجازات استيراد فكان البيع النقدي يذهب يوميا لتمويل السوق الموازي فتحقق تلك الدكاكين (والتي كان لها دور في عدم استقرار سعر الصرف) أربحاً طائلة على حساب حركة الاسعار.. فكانت السياسة النقدية (في جانب منها) بمثابة فرصة ذهبية لتراكم الاموال لاصحاب الدكاكين الذين كانوا وما زالوا يمثلون واجهة رجال الاعمال في بلدنا، ويرافقون المسؤولين في الدولة برحلاتهم ومؤتمراتهم خارج البلاد.
وتستمر المطالبات بالدعم، اذ لا يمر مؤتمر مصرفي أو ندوة دون التنديد بالتعليمات الحكومية القاضية بمنع مؤسسات الدولة من ايداع اموالها في المصارف الخاصة، والمطالبة بفتح اعتمادات لمؤسسات الدولة في تلك المصارف، وقبول خطابات الضمان الصادرة من المصارف الخاصة في تعاملات وتداولات مؤسسات الدولة .. والمفارقة هنا ، ان من بين اشد المطالبين بزيادة الدعم والتنديد بالتعليمات الحكومية او تلك الصادرة من البنك المصرفي هم اصحاب المصارف الاقل جدية في تطوير عملهم و ادائهم المصرفي خدمة لانفسهم ولبلادهم، وهنا لابد من الاشارة لوجود مصارف خاصة تطورت بشكل كبير في ادوات عملها فأدخلت التقانات الحديثة في عموم تعاملاتها وتداولاتها المالية وكانت سباقة في ادخال نظام المقاصة الالكترونية وملتزمة باعادة هيكلة رأس المال وملتزمة بتعليمات المصرف المركزي بشأن ذلك وقامت بتدريب وتطوير كوادرها بشكل مكثف فازدادت ثقة الجمهور بها بما يدعو للفخر، الا ان ثمة مصارف خاصة اخرى كان اصحابها كأشباه الموظفين الذين يتسلقون على اكتاف الكفاءات فيكونون بالصدارة دائما ...اذ وقف احدهم بين حضور المؤتمر المصرفي العالمي الذي أقامه اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع البنك المركزي ورابطة المصارف العراقية دون استئذان، ليسجل اعتراضه على التعليمات الحكومية بشان ايداع اموال مؤسسات الدولة وفتح اعتمادات في المصارف الخاصة وراح يخطب بالجمع مصورا الأمر و كأنهم يسيرون بالاتجاه الصحيح لخدمة هذا البلد وان التعليمات الحكومية تقف امامهم..وفي كل مؤتمر وندوة يتكرر قول الرجل...وتشتد المفارقة، ان فرض البنك المركزي الوصاية على مصرفه الاسبوع الماضي لعدم قدرته على الايفاء بالتزاماته المالية (مشيرا الى انه سيشكل لجان وصاية مؤلفة من ثلاثة اشخاص ولمدة 18 شهرا قابلة للتمديد مهمتها اعداد تقرير عن الوضع المالي والمستقبلي عن المصرف..وقال البنك في بيان له، إنه «نظرا للتردي المالي لمصرف .... وعدم قدرته على الايفاء بالتزاماته المالية بسبب الاخطاء والممارسات غير السليمة التي ارتكبها وتعثره ازاء الالتزامات تجاه زبائنه وبهدف سلامة النظام المصرفي والمالي في العراق تقرر فرض الوصاية على المصرف»..(ومن هذا المال فتحت دكاكين سميت مصارف خاصة) يراد لها ان تساهم في عملية التنمية.