المنبرالحر

حكمة الحصيني / ابراهيم الخياط

كان الهمّ باديا على محيا الحاج (جار الله) وهو يشكو من مرض العملية السياسية، لأنه يرى بأم عينيه (التكالب) على المناصب والمكاسب والوزارات من جانب تجار السياسة الذين ثقلت جيوبهم بأطنان من الذهب والفضة والنفط والخطايا، ولم يعد ثمة متسع لمثقال حياء أو حرص على الأهل الواقفين طوابير على شفا المثرمة اليومية.
وما زاد من هموم الحاج (جار الله) الوجيه في (سبع اقصور) ومنطقة (سيد ادريس)، ذلك التشييع الرهيب لضحايا التفجير الارهابي في الكرادة قبل يومين. كان الشهداء باقة من اسرة جيرانه، وقد بكى من كل قلبه، وبحرقة تشبه حرقة بكائه على ولده (غازي) يوم قتله الحرس القومي في الشارع المغدور ذاته.
اليوم صباحا، كان الحاج جالسا على عتبة بيته العتيق، فأراد (بهلول) أن يخفف من معاناته. وحيلة (بهلول) في مواقف كهذه هي أن يسأله عن معنى أبوذية ما أو شرح زهيري أو قص حكاية مَثَل او أغنية منسية. فيسترسل الحاج ويستفيد (بهلول) وتنجلي الهموم ولو الى حين.
قال بهلول: عمي الحجي، الف رحمة على روح غازي، ما تكلي شنو قصة المثل (الناس ويّه الواكف).
فأوضح الحاج:
(فد يوم الحصيني طلع للصيد، ظل يدور هنا وهناك بس ما حالفه الحظ، ولمن دكه الجوع والتعب، شاف أفضل شي أن يحصل على رزقه بالحيلة. ملك الغابة كان أسد عجوز. فراح عليه وكال: ياملك الوحوش.. تره أحسن دُوَه إلك كلب المطي ودماغه ولسانه.. وآني شفت بطريقي فد زمال أثول.. أغبر.. نايم بالطريق.. فلو جنابك توصل يمّه، تكدر تصيده بضربة وحدة.. وتاكل منه اللسان والكلب والمخ.. وتخلّي اللّشة لداعيك).
صدّك الأسد كلام الحصيني، وجمع باقي ما عنده من قوة ونهض ومشى. ولمن شاف ما عنده ذاك الحيل، فكر أن يهجم على الحمار من وره ويعضه ويبطحه على الكاع.
لكن الأسد لمن صار خلف الحمار، الحمار حسّ، فجمع حوافر رجليه اثنيناتهن وزكط بيهن الأسد وضربه على كصته.. وكع الأسد وغاب عن الوعي. وبعد شويه لما انتبه.. سمع الحصيني يكول للحمار وهو منحني كدامه: عيني زمال أفندي.. تره انته زين سوّيت.. عاش حافرك على هذا الزوج المضبوط.. وبالمناسبة تره انته عندك صوت ظريف.. وطبع لطيف.. وقوام جميل.. وذيل طويل.
إهنا صاح الأسد: وُلَك أبو الحصين.. ملعون.. شِنو هاللغوه؟ .. شِنو هالتملّق؟ فجاوبه: مولانا الأسد.. «الناس ويّه الواكف».. ولمّنْ يوكع الواكف يدَورون على واحد واكف غيره.. وِيصيرون وِيّاه.
بلحظتهه نب «بهلول» من مكانه وكال: والله صحيح حجي ، تشوفهم النواب؟ ويه الواكف!