المنبرالحر

الموصل وعقدة التاريخ/ احمد عواد الخزاعي

لم يكن بالامر الغريب سقوط الموصل بيد الارهاب وهي المدينة التي كانت تعيش معادلة اجتماعية وسياسية وامنية تحمل الكثير من الفوضى والتطرف والتي حملت بعدين ..البعد الاول هو عدم قدرة تقبل معظم الاهالي للقوات الامنية المتواجدة في المحافظة والتي اغلب منتسبيها من خارجها والتي تفصلهم عن اهلها الكثير من العقد والتراكمات التاريخية والاثنية والمناطقية ، وقد عملت الكثير من الاجندات الداخلية والعربية والاقليمية على اثارتها وتغذيتها وبث روح الكراهية في نفوس اهلها اتجاه الشريك الاخر في الوطن بعد سقوط الصنم عام 2003 ، وخصوصا في الفترة التي سبقت سقوطها الاخير بيد داعش متمثلة بالتصريحات التحريضية التي كان تطلقها مناصات الاعتصام فيها ، وتصريحات محافظها ضد القوات الامنية ودعوته للحكومة باكثر من مناسبة الى سحب هذه القوات وخصوصا الجيش والشرطة الاتحادية من المحافظة تحت حجج واهية منها البعد الطائفي والاستفزازي التي يشكله وجود هذه القوات لسكان المدينة ..مما تسبب في تهيئة الاجواء الملائمة لتقبلهم للتطرف وسيطرته على مدينتهم ، وهذا ما حدث بالفعل فأشرطة الفديو التي بثتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي والتي تظهر خروج بعض سكانها فرحين ومرحبين بدخول الارهابين الى مدينتهم ما هو الى انعكاس لهذا الشحن والاحتقان الطائفي الكامن في رحم مجتمعها ، ونتيجة لزخم اعلامي استمر لاكثر من احد عشر سنة ساهم فيه الجميع بما فيهم الولايات المتحدة الاميركية التي لعبت على هذا الوتر منذ دخول قواتها الى العراق واحتلاله ..من خلال تصوير ما حدث في 2003 هو هزيمة لابناء السنة في العراق والتي تمثل الموصل القاعدة والركيزة الاساسية لهم منذ قرون لاسباب كثيرة منها قدمها وعراقتها كحاضرة تعد من اقدم الحواضر الاسلامية في المنطقة وكبر مساحتها وعدد سكانها ذات الغالبية المسلمة السنية المذهب ، وارتباطها التاريخي مع الدولة العثماني التي شكلت جزء من الموروث الاجتماعي والديني في العراق ، بسبب طول امد احتلالها له والذي دام لاكثر من اربع قرون ..ويذكر الدكتور علي الوردي في لمحاته ان ملك ايران نادر شاه عندما قام بتأسيس المذهب الجعفري في القرن الثامن عشر الميلادي ، كمنظومة دينية وفقهية واجتماعية للمسلمين الشيعة في العراق والعالم الاسلامي ، وجعله المذهب الخامس ، اراد ان يضفي عليه الشرعية باعتراف باقي المذاهب به ، فنتدب لهذا الموضوع علماء الدين في الموصل وجعلهم الطرف المفاوض (السني) الرئيسي في مؤتمر مكة الذي عقده لهذا الغرض ..اما البعد الثاني من هذه المعادلة هو وجود الجماعات المسلحة المتطرفة والخلايا الناشطة والنائمة بكثرة بين ثنايا هذه المدينة طيلة الفترة الماضية على الرغم من وجود اكثر من ثلاث فرق عسكرية والآلاف من منسبي الشرطة وكل هذا الحشد الامني لم يحول دون قيام هذه الجماعات بأخذ الجزية والاتاوات من سكانها وجعلهم رهينة لاسقاطاتها الفكرية والقمعية ..فكانت هي الضحية كما معظم مدن العراق ودفعت الثمن دما من ابنائها الذين حاول البعض منهم التصدي لهذه الجماعات او الانخراط في القوى الامنية ، وكان سقوطها هو نتيجة حتمية لواقع ساسي وامني شاذ لم يستطع طيلة الفترة الماضية من احتواء هذه المدينة التي تعد ثاني اكبر مدن العراق وثغره الشمالي الغربي، بكل ما تحمله من بعد سيتراتيجي عن امن واقتصاد العراق، وقد فشلت جميع الحكومات التي توالت على حكم العراق بعد 2003 من تحييد هذه المدينة وجعلها جزء من المنظومة الامنية والسياسية في هذا البلد وعاملا ايجابيا يصب في مصلحته بدلا من جعلها اداة من ادوات الفتنة والتناحر ..لذا يجب ان يكون الهدف الرئيسي بعد تحريرها من عصابات داعش هو وضع الخطط الجدية والواقعية لانتشالها من مستنقع الطائفية ومحاولة النهوض بها لاخذ دورها التاريخي بعيدا عن التخندق العرقي والطائفي ومساعدتها على تجاوز عقدة التأريخ وجعل اهلها شريكا فعالا في رسم خريطة مستقبل العراق الجديد .