المنبرالحر

الخلافات السعودية العراقية..جذور تاريخية وسرقة ادوار/ احمد عواد الخزاعي

كان لنشوء الحركة الوهابية في ارض نجد وتحديدا في بلدة الدرعية الاثر الاكبر في تغيير الخارطة الجيوسياسية في شبه الجزيرة العربية بشطرها الشمالي (نجد والحجاز ) ..فعند ظهور الشيخ محمد عبد الوهاب سنة (1703_1793) في هذه المنطقة والبدء بالدعوة لفكره الجديد والدخيل على الثقافة الاسلامية، والذي طرح فيه مفهوم العودة الى الاصل وفعل وقول السلف الصالح ، مستغلا الجهل ونزعة التعصب البدوية التي كانت سائدة في تلك المنطقة اضافة الى فقر وقلة الموارد المعيشية فيها ، مما شجعه على تبني فكرة نشر دعوته عن طريق اعادة احياء (الجهاد) عن طريق الغزو ، من خلال تكفير العالم الاسلامي بأجمعه وطرحه لنفسه على انه المجدد لدين الله الاسلام الذي ادعى انه خالطه الكثير من اعمال الشرك والبدع والمستحدثات والتي هي ليست من اصل الاسلام ودخيلة عليه ..وكان هذا الفكر الشاذ ان لا يلقى اي صدى في مجتمعه لولا تبني محمد بن سعود امير الدرعية لهذه الافكار وجعلها السبيل والوسيلة لمد نفوذ سلطانه على الاراضي المجاورة لإمارته في الحجاز ، والتي كانت خاضعة في اغلبها للعائلة الهاشمية ..وكان للحضور البريطاني الدور الاكبر في نشأة هذه الحركة وتبلور هذا التحالف بين محمد عبد الوهاب ومحمد ال سعود ، حيث ارسلت الحكومة البريطانية في القرن الثامن عشر تسعة جواسيس لغرض العمل على انهاء الخلافة العثمانية وتفريق وحدة المسلمين ، وقد فشل البعض منهم وفشل البعض الاخر الا همفر الذي يروي في مذكراته انه التقى بمحمد بن عبد الوهاب في البصرة وكيف جنده لغرض ضرب وحدة المسلمين عن طريق تكفيرهم والدعوة لقتلهم وسلب اموالهم وسبي نسائهم وقد كان حلقة الوصل بينه وبين وزارة المستعمرات البريطانية من اجل التنسيق بينهم لتنفيذ ذلك المخطط ..وبين مد وجزر ومخاض طويل من الغزوات والصراعات مع القبائل العربية في نجد والحجاز استطاعوا انشاء الدولة السعودية الاولى لهم ..والتي انتهت بأنهيار الدرعية تحت وطأة مدافع ابراهيم ابن محمد علي باشا الذي ارسله ابوه للقضاء على الوهابية عام 1819فأسر اميرها عبد الله بن سعود وقام بقطع راسه..ومن ثم نشأت الدولة الثانية على يد عبد العزيز ال سعود حين سقطت معظم مدن الحجاز في يده وذهاب ملك الحجاز الحسين بن علي لطلب الى العقبة عام 1924 وتركه لابنه الملك علي بن الحسين للدفاع عن ما تبقى لحين وصول المتطوعين من الاردن والعراق لصد قوات عبد العزيز ال سعود على مكة ، التي سقطت بأيديهم سنة 1925 وانتقال ملكها الى بغداد بجوار اخيه فيصل الاول ملك العراق ، وبقائه فيها حتى موته سنة 1935 وكانت لهذه الحادثة الاثر الاكبر في نشوء العداء بين الدولتين والتي سعت بريطانيا الى انهائه عن طريق التوسط بينهما وجمع ملكي الدولتين فيصل الاول وعبد العزيز ال سعود على طاولة تفاوض واحدة في احدى بوارجها في الخليج العربي سنة 1930والذي انتهى هذا الاجتماع بالفشل لاتساع نطاق الخلاف بين وجهات النظر ولعمق المشكلة القائمة بينهما والتي اخذت بعدا شخصياً ..اضافة الى وجود اطماع سعودية في الاراضي العراقية فيذكر.. الدكتور علي الوردي في لمحاته الجزء السادس ..ان الملك عبد العزيز ال سعود كان يفاوض الانكليز على جعل الفرات الحد الطبيعي الفاصل بين العراق والسعودية وان السير بيرسي كوكس قد رسم الحدود الحالية بين البلدين وفرضها على السعودية..وقد استمر هذا الجفاء والمواقف العدائية اتجاه العراق وان اخذت في بعض الاحيان منحى اخوي تضامني في العلن ، وهي تخفي في طياتها نزعة تآمرية ضده ..كما حدث في الحرب العراقية الايرانية عام 1980 ودعمها لنظام صدام حسين في حربه ضد الجارة ايران وتخصيص عشرون مليار دولار لذلك وكان الهدف من وراء ذلك هو اضعاف البلدين المسلمين واستنزافهما شعبا ومواردا خدمة للمصالح الغربية واسرائيل ..ومن ثم تخصيص اكثر من ثمانون مليار دولار لغرض اخراج صدام من الكويت وهو الهدف المعلن لعملية عاصفة الصحراء التي شنها التحالف الغربي سنة 1991 على العراق وكان الهدف الحقيقي منها هو ارجاع العراق الى ما قبل عصر الصناعة والقضاء على بناه التحتية وقتل ابنائه ..وحين حاولت قوات التحالف الزحف الى بغداد لأسقاط النظام كانت السعودية اول الرافضين لذلك ..كما يذكر الكاتب المصري محمد حسنين هيكل في كتابه (حرب الخليج الثانية )..خوفا من ان يكون البديل حكومة شيعية ..وبعد سقوط الصنم سنة 2003 وبدء حياة سياسية جديدة في العراق سارعت السعودية الى اخذ موقف سلبي من ما جرى وعملت على اسقاط هذه التجربة الرائدة ووضعت العصي في دواليب العملية السياسية فيه من خلال دعم وتمويل الارهاب العابر للحدود واصدار الفتاوى التي تبيح دماء العراقيين للقاصي والداني ، اضافة الى عدم اعترافها بالنظام السياسي القائم ورفضها لفتح سفارة تمثلها فيه ..ومن يقرأ هذا التسلسل بالأحداث منذ نشوء هذه الدولة سنة 1932 ولحد الان ودراسة مواقفها اتجاه العراق سوف يصل الى مجموعة من القناعات حول الدوافع والاسباب الحقيقية وراء كل ما جرى ويجري ..ومن هذه الاسباب هو عقدة نقص الكامنة في ثناياها اتجاه العراق وخوفها من نهوضه واخذه لدوره الطبيعي في المنطقة والعالم اضافة الى العامل الاقتصادي وبالخصوص البترول التي تشكل عائداته تسعين بالمئة من دخلها حيث تصدر اثنا عشر مليون برميل يوميا منه ..واذا ما استعاد العراق عافيته واعاد صناعته النفطية فانه سوف يدخل منافس قوي لها في سوق النفط العالمية باحتياطاته النفطية الهائلة منه ..لذلك فإنها تعمل على ابقائه ضمن نطاق دائرة العنف والفوضى السياسية والامنية ..على الرغم من ان المفهوم السائد لهذا الصراع قد يفسره البعض بان دوافعه طائفية والتي سعت هي لإظهاره بهذا الشكل من خلال فتاوى التكفير بحق الجزء الاكبر من شعبة والصادرة من مؤسساتها الدينية لإخفاء اسبابه الحقيقية ولتحشيد الراي العام العربي والاسلامي ضده ..واعتقد ان هذا السبب يشكل جزء بسيط جدا من هذه الاسباب كون جميع الحكومات العراقية التي توالت على العراق كانت تتقاسم مع السعودية نفس الانتماء المذهبي والعقائدي وان العراق اليوم تحكمه فسيفسائه المتعددة الطوائف والقوميات ويشترك في حكمه الجميع ..وان العمليات الارهابية التي تدعم الجزء الاكبر منها تطال جميع مكوناته على الرغم من محاولتها حصرها ضمن طائفة معينة في حد ذاته واضفاء صبغة طائفية مقيتة عليها ..وما حصل في الموصل وقيامها بدعم الجماعات المتطرفة المتمثلة بداعش واستباحتها لهذه المدينة وقتل ابنائها وانتهاك حرمة نسائها خير دليل على هذا النهج الذي تتبعه في تعاملها مع العراق ..وهي بأفعالها هذه تضن نفسها منأى مما يحدث ولا تخشى انقلاب السحر على الساحر كما حدث لغيرها من دول المنطقة ، وارتداد الارهاب الدولي عليها والذي سيكون وقعه كبيرا بسبب البركان الكامن داخلها وبين ثنايا مجتمعها المتعدد الطوائف والتوجهات ..والتي عانت هذه الطوائف لأكثر من تسعة عقود من الظلم والتهميش والاقصاء وغياب الحريات ومصادرة المعتقد والمذهب والانتماء ، لصالح نظامها السلفي الوهابي وان هذا الكبت سوف يولد انفجارا هائلا فيها سوف يهز المنطقة باسرها ويعمل على تغيير العناوين والاسماء وسيكون الخاسر الاكبر في هذه الحالة هم ديناصوراتها الحاكمة فيها .