المنبرالحر

أُلعُبان سياسي... چُقلبان قانوني ! / احسان جواد كاظم

كم سياسي من سياسيي سلطة ما بعد التخلص من الدكتاتورية تنطبق عليه صفة الأُلعبان وعلى مواقفه السياسية المتقلبة فعل الچُقلبان؟

زئبقية مواقفهم ومحاولتهم الجمع القسري بين المتناقضين؛ التصلب الديني والبراغماتية السياسية جعلتهم يضيعون المشيتين...فمشوا مشيّة العرنجلي. فلا هم التزموا الضوابط الدينية ولا سلاسة التعامل السياسي القويم ودبلوماسيته، وهذا ما أثار اشمئزازا عاما من شخوصهم ورفضا لأفعالهم. لكنهم نجحوا في تقديم صورة غير حقيقية عن جوهر السياسة ومفهومها كفكر وممارسة، باعتبارها فناً وعلماً... فن الممكن وعلما ً في تنظيم المجتمع وإدارته لاتستغني عنه المجتمعات المتحضرة، بتكريس الصورة الكاذبة لها بانها مكراً وخداعاً ولعباً على الحبال ليس إلاّ.

وليس أكثر تجسيداً لريائهم السياسي وفهمهم الفاسد لجوهر السياسة من موقفهم المعلن من المحاصصة الطائفية – العرقية، فهم يلعنونها ليلاً ونهاراً ويحملّوها كل الأوزار كأنها شيطانهم الرجيم بينما يتشبثون بها كأنها مخلصهم الأوحد... منغمسون في نعمائها كأنها جنتهم الموعودة.

لازالت طرية في اذهان الكثير منا تصريحات قيادات ائتلاف دولة القانون اثناء احتدام الأزمة السياسية بين اقطاب السلطة الحاكمة، وتهديدهم لغرمائهم السياسيين بإعتماد نظام الأغلبية السياسية كبديل لنهج المحاصصة النهبوي الذي أفقر أبناء شعبنا وأغنى الفاسدين المتسيدين على مقدراته ومصائره، بغرض إبتزازهم.

لكن الچُقلبان السياسي في المواقف لم يتأخر كثيرا، وبالخصوص بعد ان جاءت نتائج انتخابات مجالس المحافظات بما لايُرضي قيادات ائتلاف دولة القانون الذي تراجع عدد مقاعده في مجالس محافظات عديدة وخسارته لمناصب مهمة في محافظتي بغداد العاصمة والبصرة أغنى المدن العراقية، فكانت التصريحات الأنفعالية لمسؤولي الائتلاف بعدم عدالة نظام "سانت ليغو" الأنتخابي وتحميله سبب خسارتهم وليس العقاب الشعبي لفشلهم في إدارة الدولة وتوفير أبسط مستلزمات الحياة الكريمة من أمان وعمل وخدمات. وأبدوا سعيهم للرجوع الى القانون الأنتخابي السابق الذي نقضته المحكمة العليا لعدم قانونيته وتعارضه مع بنود الدستور، نظام القائمة المغلقة الذي يسمح بسرقة أصوات الناخبين لصالح قوائم أخرى، يرفضونها، ويصادر حق الأقليات والأحزاب الصغيرة في التواجد تحت قبة البرلمان.

ان التناقض يبدو جلياً بين الدعوة الى تبني نظام الأغلبية السياسية الذي يعني التحرر من النزعة التقسيمية للمجتمع العراقي، وكونه توجهاً صائباً لإشراك أوسع الفعاليات الشعبية في رسم سياسة الدولة العامة وعدم إقتصارها على ثلة من متنفذي الطوائف والقوميات والعشائر من ذوي المطامع الشخصية، وبين الدعوة الى الرجوع الى قانون إنتخابات نخبوي جائر أسقطته المحكمة العليا.

لايخفى على أحد ان رسم السياسات في عراق اليوم لا يخضع لمنهج مؤسساتي استراتيجي وانما تفرضها الأنفعالات العاطفية الطارئة.

كما لايمكن توصيف المساعي للنكوص عن مظاهر الديمقراطية الحالية لأسباب فئوية أنانية سوى انها إنزلاق متدرج نحو دكتاتورية مقيتة، لاسيما وانها تأتي متوازية مع نزعات متواترة لعسكرة الدولة والمجتمع وجنوح أطراف الأزمة نحو حل خلافاتها السياسية عنفياً وعلى حساب المواطن.

ان تعزيز التوجه الديمقراطي يستوجب توسيع المشاركة الشعبية في رسم سياسة الدولة وتوجهات البلاد المستقبلية. ومن بين ما يتطلبه ذلك، تطوير القانون الأنتخابي. لذا فإن إجراء الأنتخابات البرلمانية والمجالس المحلية وفق نظام القائمة المفتوحة والاقتراع السري وإعتبار العراق دائرة إنتخابية واحدة سبيلا قويما لتعميق التوجه الديمقراطي.

- "الديمقراطية ليست حكم الأغلبية لكن حماية الأقلية". ألبير كامو