المنبرالحر

غرة بياض بكصة التاريخ / عاصي دالي

تمر علينا هذه الايام الذكرى الحادية والخمسين لانتفاضة ثلة من المناضلين متمثلة بالشيوعي حسن سريع ورفاقه الخالدين في معسكر الرشيد الذين ارادوا فيها القضاء على قوى الظلام التي تسللت في غفلة من الزمن لتعبث بمقدرات الشعب العراقي من خلال الاجهاز على ثورة الرابع عشر من تموز 1958 المجيدة بانقلابهم الدموي في الثامن من شباط الاسود عام 1963 والذي جعل الدم العراقي انهاراَ تهدر لالذنب ارتكبوه سوى انهم ارادوا في ثورتهم نصرة فقرائهم وتحرير بلدهم من نير الاستعمار ونيل استقلالهم الوطني وتحقيق انجازات تاريخية هامة ادت الى تحشيد كل اعداء الشعب للاصطفاف والانقضاض على ثورة 14 تموز وجميع القوى المساندة لها.
فقد حققت الثورة انجازات خلال فترة قصيرة مايفوق ان يتحقق خلال عشرات السنين فقد اعلن نظام الحكم في العراق نظاما جمهوريا والخروج من الحلف الاستعماري (حلف بغداد) والخروج من دائرة الجنيه الاسترليني وهذا يعني تحررالبلد من التحكم باقتصاده الوطني وتم أقرار عدة قوانين منها قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 وسن قانون الاحوال الشخصية رقم 188لسنة 1959 والذي نظم العلاقات الاسرية واعطى للمرأة العراقية حقوقها وكذلك تم تشريع قانون رقم 80 لسنة 1961 الذي استعاد بموجبه معظم الاراضي العراقية غير المستثمرة التي كانت تحت امتياز الشركات النفطية التي تشكل نحو 95بالمائة من مساحة العراق وتم اجازة النقابات والاتحادات العمالية وتحديد ساعات العمل بثماني ساعات.
ولهذا فان جميع المتضررين من هذه القوانين والتشريعات التي اتخذتها ثورة الرابع عشر من تموز اصطفوا وتحالفوا من اجل إسقاطها وقد تحقق هذا لهم في 8 شباط 1963 اذ قام تحالف من القوميين والبعثيين وبدعم اقليمي ومن الدول التي تضررت مصالحها من انتصار الثورة بانقلاب دموي اهـدر به الـدم العراقي بشكل علني سافر وصريح في وسائل الاعلام من خلال بيان رقم 13 سيئ الصيت والذي اباح بموجبه قتل وابادة الشيوعيين ومن يأوى الشيوعيين وتم قتل واعتقال وتعذيب وحشي على الظن والشبهات بحق كل الوطنيين الذين يرفضون سياسة القمع والارهاب.
وقد اضطر اعداء الشعب بعد ان امتلأت سجونهم الى استخدام المدارس والملاعب والنوادي مكانا لاعتقال الآلاف من أبنائه وقد استخدم قصر الرحاب في بغداد والذي اطلق عليه فيما بعد اسم قصر النهاية مسلخا بشريا تم فيه تصفية قيادة وكوادر ونشطاء الحزب الشيوعي العراقي تحت التعذيب الوحشي وبأبشع وسائل التعذيب.
كل هذه الاساليب الوحشية لم تكن لترهب ابناء هذا الشعب ولم تتمكن من القضاء على ارادته فقد قاد العريف المناضل في الجيش العراقي (حسن سريع) ذو التوجه الشيوعي حركة ثورية للاطاحة بالحكم الدموي في 3/تموز 1963 اذ تمكن ومعه فتية من العسكريين لم يكن فيهم ضابط واحد ولم تتوفر لديهم الاسلحة المطلوبة من السيطرة على معسكر الرشيد واستطاعوا اعتقال اكثر من عشرين وزيرا وقياديا من قيادات حزب البعث على أمل أحالتهم للمحكمة واحتفظوا بهم ولم يمسوهم بضرر وكان بالامكان قتلهم لكن أخلاقهم لم تسمح بذلك عكس ما قام به الحرس اللاقومي عندما سفك دماء الوطنيين الشرفاء مـن أبناء هذا الشعب بحجة انتمائهم للحزب الشيوعي العراقي او مجرد الاشتباه بذلك. ولكن ظروف الانتفاضه التي رافقتها بعض الاخطاء من قلة الخبرة أدت الى فشل الانتفاضة والقـاء القبض على أغلب المشتركين فيها بمن فيهم قائد الحركة المناضل (حسن سريع) الذي أعلن وبكل شجاعة عن مسؤوليته المباشرة عن الحركة وعند وقوفه امام المحكمة الصورية التي شكلت لمحاكمته وسؤاله من قبل رئيس المحكمة لماذا حملت رتبة ضابط هل تريد ان تكون رئيس جمهورية فقال بكل شجاعة (ما ردت ان أصير رئيس جمهورية او ضابطاً في الجيش انما أردت اسقاط حكومتكم وعن حملي رتبة ضابط فاقول كيف تحول عبد السلام من عقيد الى مشير بـرمشة عين) مما دفع القاضي على السكوت والحكم عليه وعلى رفاقه الآخرين بالاعدام رميا بالرصاص وتم تنفيذ الحكم بهم في 17 تموز 1963 وهو يردد القول المأثور (السجن لي مرتبة والقيد لي خلخال والمشنقة ياشعب مرجوحة الابطال) ثم هتف باسم الحزب الشيوعي العراقي وهكذا قدمت هذه الكوكبة الشجاعة دماءها الزكية لتروي بها ارض الوطن العزيـز.
وكانت اهم الاستنتاجات من هذه الانتفاضة المجيدة تتلخص بما يلي:
1 ــ اشترك فيها شباب بعمر الزهور من مختلف الاديان والقوميات ففيهم العـربي والكـردي, المسلم والمسيحي والآشوري وكانوا لايفكرون في هذه الهويات بل كانت هويتهم الوحيدة هي الهوية الوطنية
2ــ انها درس لاصحاب السلطة والقرار عليهم ان لايستهينوا بقدرات الشعوب وان الظلم والقهر لايمكن ان يدوم ولا يمكن السكوت عليه مهما ملكوا من قوة وجبروت ومهما طال الزمن.

3ــ يستدل من ذلك ان الأفكار الشيوعية التي يتبناها مناضلون أشداء لايمكن لأية قوة مهما كان حجمها ومهما استخدمت من وسائل دنيئة في القضاء على الشيوعيين اوعلى افكارهم
وكما قال الشاعر الكبير عريان السيد خلف ( ياغرة بياض بكصة التاريخ جسدت الرجولة بكل معانيها لاكيت المنايا بهيبة الفرسان مادورت حـفرة وعفنت بيها )
والمجد والخلود لشهداء الانتفاضة الابطال
المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي.
المجد والخلود لشهداء الحركة الوطنية العراقية
الخزي والعار لأعداء الشعـــوب