المنبرالحر

العم سام ..والهروب الاخير/ احمد عواد الخزاعي

انسحبت جيوش الولايات المتحدة الامريكية من العراق عام 2011 ضمن اطار اتفاقية التعاون السيتراتيجية الموقعة بينها وبين الحكومة العراقية عام 2008..بعد احتلال دام ثماني سنوات ، عبرت فيه امريكا عن مدى فشلها وتخبطها في ادارة هذا البلد في هذه الفترة الخطيرة والحرجة من تاريخه المعاصر ، والذي شكل هذا الفشل نمطية في سياستها منذ هروبها من فيتنام عام 1973 ..دخلت قواتها الى العراق في نيسان من عام 2003 لأسباب وذرائع لم تكن مظلومية الشعب العراقي القابع تحت نظام حكم البعث جزءا منها ..واسقطت الصنم ليتنفس هذا الشعب الصعداء بعد عقود طويلة من الظلم والتهميش والجور ..الا انها لم تتبن العراق كدولة تسعى الى النهوض بها وتطويرها كما فعلت مع اليابان والمانية الغربية بعد الحرب العالمية الثانية ، او حتى ساهمت في بناء قاعدته الصناعية والعلمية كما حصل مع كوريا الجنوبية بعد انتهاء الحرب الكورية عام 1953 ميلادي ..بل عمدت على تركه فريسة للمنظمات الارهابية والجماعات المتطرفة وساحة للصرعات الدولية والاقليمية ، كان المواطن العراقي المتضرر الوحيد فيها ، فانسحبت لتترك خلفها بلدا منهكا بجميع مرافقه وبناه التحتية ، ونظاما سياسيا هشا ينخره الفساد والمحسوبية والمصالح الحزبية والفئوية الضيقة ..وصراعا سياسيا على السلطة لبس عباءة الطائفية ، نتج عنها تصدع وشرخ في اللحمة الوطنية والتعايش السلمي فيه ، وبناء مغلوط ومرتبك لمؤسسات الدولة العراقية الحديثة ومن ضمنها المؤسسة العسكرية والامنية ..فعلى الرغم من وجود هذه الاتفاقية والتي تحتم على الولايات المتحدة الامريكية المساعدة في بناء الجيش العراقي وتسليحه ، الا انها ماطلت على مدى السنوات الثلاث الماضية وتنصلت من التزاماتها اتجاهه ..ولا يمكن رمي ما حصل في سلة اميركا وحدها بل ساهمت الحكومة العراقية والقوى السياسية العاملة في الساحة وبعض دول المنطقة والمحيط الاقليمي في هذا التباطؤ في تنفيذ بنود هذه الاتفاقية ، والتي تنص على (انسحاب القوات الامريكية من جميع الاراضي العراقية في موعد لا يتعدى 13 كانون الاول من عام 2011 ، وعند نشوء اي خطر خارجي او داخلي ضد العراق او وقوع عدوان ما عليه من شانه انتهاك سيادته واستقلاله السياسي او وحدة اراضيه او مياهه او اجوائه او تهديد نظامه الديمقراطي او مؤسساته المنتخبة ، ويقوم الطرفان بناء على طلب من حكومة العراق بالشروع فورا في مداولات سيتراتيجية وتتخذ الولايات المتحدة الاجراءات السياسية او الاقتصادية او العسكرية او اي اجراء اخر للتعامل مع هذا التهديد)..وكان بامكان الحكومة العراقية بعد هذه المماطلة التي ابداها الجانب الاميركي ان تقوم بأبتزازه عن طريق التعاقد لشراء اسلحة ومعدات عسكرية من بعض دول اوربا الشرقية او الصين مما يشكل عامل ضغط على امريكا يدفعها الى الاسراع في تسليح الجيش العراقي خوفا من خروج العراق من دائرتها كحليف سيتراتيجي في المنطقة ، وكذلك كان لهذه الخطوة ان تسحب البساط من تحت اقدام الكثيرين في الداخل والخارج الذين سعوا الى ابقاء العراق ضعيفا ومنعه من امتلاك منظومة امنية قوية ..تدفع كل منهم اجنداته الخاصة ..وبعد الذي حصل في 9 حزيران وسقوط الموصل بيد الارهاب كجزء من مؤامرة دولية واقليمية وداخلية على العراق وتجربته الفتية ، والتي اماطت اللثام عن حقيقة خطيرة تسعى الحكومة العراقية الان وكل الخيرين وعلى راسهم المرجعية الرشيدة للتقليل من وقعها وتأثيرها على مستقبل العراق واهله ..وهي ضعف البناء التسليحي واللوجستي للقوات المسلحة العراقية والتي لازالت تقارع الارهاب ببسالة بالرغم من وجود هذا الخلل في في منظومتها التسليحية والذي تعتبر امريكا السبب الرئيسي فيه ، والتي لازالت تتنصل لحد الان من كل التزاماتها ومسؤلياتها اتجاه العراق كونها هي من اشرف على بناء نظامه السياسي الجديد بعد عام 2003 وهي التي سعت الى ان تكون دولة محتلة للعراق وذهابها الى مجلس الامن الدولي واستصدارها القرار المرقم 1483والذي حول قواتها من محررة الى محتلة..ولازال الرئيس اوباما يتعاطى بمزاجية انتهازية متقلبة مع هذه الازمة تخضع لضغوطات بعض دول الخليج وترى ما يحدث بنظرة احادية قاصرة صورها لها بعض الساسة من الداخل والخارج بان الذي يجري هو حربا طائفية بين العراقين وعليها ان تنأى بنفسها عن هذا الصراع ..واعتقد ان هذا التنصل والهروب الامريكي اذا ما استمر وقلبت امريكا ظهر المجن للحكومة والشعب العراقي في محنته هذه ، فأنه سوف يكون الهروب الاخير لها من العراق وستأتي قوى دولية اخرى كروسية ودول اقليمية قوية وصديقة للعراق لتحل محلها وتشغل الفراغ الذي سعت هي بنفسها على احداثه ..وعلى الجميع في العراق ساسة وشعب ان لايعولوا بعد اليوم عليها كثيرا ، فأمريكا تحركها على الارض مصالحها وأطماعها ، ونحن في هذه المرحلة الخطرة يجب ان يحركنا اتجاه بلدنا الشعور بالمسؤولية لانه اصل وجودنا ..وعالم مابعد الحرب الباردة قد أتاح للكثير من دول العالم فرصا جديدة في تحديد توجهاتها تبعا لمصالحها ، لذا فليذهب العم سام الى الجحيم ، والعراق بكل مايحمل من ثروات طبيعية وقوة بشرية وعمق حضاري وتاريخي عليه ان يبحث عن حلفاء جدد يكونون اكثر تحملا للمسؤولية واكثر اتزان ويمكن الاعتماد عليهم في مثل هكذا ظروف استثنائية صعبة ، والتجربة السورية التي لازالت ماثلة امامنا الى الان هي خير دليل على ذلك .