المنبرالحر

الوطن في خطر! / محمد عبد الرحمن

جلسة مجلس النواب الثانية التي كانت قد تأجلت الى منتصف آب القادم، أعلن أنها ستعقد هذا اليوم. هذا ما صرح به السيد رئيس السن. ولكن هل ستعقد الجلسة فعلا؟ وإن توجه النواب لحضورها، هل سيتحقق النصاب القانوني؟ خصوصا ان انتخاب رئيس الجمهورية - إذا حصل - يحتاج الى الثلثين؟ لكن هنا يدور جدل: هل هو ثلثا الحضور ام ثلثا أعضاء مجلس النواب، الذين لم يؤد قسم منهم اليمين الدستوري لحد الآن، حيث أعلن ان 255 نائبا فقط حضروا الجلسة الاولى التي جرى فيها ترديد القسم؟ مع الإشارة الى ان المادة 70 من الدستور تنص على بان يقوم مجلس النواب بانتخاب رئيس الجمهورية بثلثي عدد أعضائه.
لا شك أنها بداية صعبة لمجلس النواب. ولا غرابة في ذلك، فهو عموما يمثل كتلا ما زالت تتطاحن في ما بينها، غير آبهة بما يحصل للوطن والمزالق الخطرة التي ينحدر اليها. على ان الأمور كما يبدو ازدادت تعقيدا بعد الجلسة الاولى، وتفاقمت الخلافات داخل كل كتلة وفي ما بين الكتل. والحديث هنا يدور عن الكتل التي منحت نفسها واحتكرت ورقة الطابو بتمثيل مكونات معينة، مكررة سيناريو المحاصصة التعيس ذاته، رغم انه أوصلنا الى ما نحن فيه، وسيوصلنا في حال الإصرار عليه الى النهاية المعروفة. وهذه المرة لن يكون مشروع بايدن هو ما يقسم العراق، بل المشاريع الأنانية للكتل المتنفذة، التي لا هم لها رغم لهيب الحرائق المتصاعد، سوى مصالحها ونفوذها وكراسي السلطة الوثيرة.
لا ضمانة إذن لعقد مجلس النواب اليوم جلسة بنصاب كامل، وتنفيذه الاستحقاق الدستوري بانتخاب رئيسه ونائبيه، والمضي قدما لاستكمال الاستحقاقات الأخرى بانتخاب رئيس الجمهورية وترشيح رئيس الوزراء الجديد. حيث ان الخلاف والتقاطع والجفاء وتبادل الاتهامات والتراشق الإعلامي هو سيد الموقف، فيما الوضع يتطلب الحوار البناء وصولا الى التنسيق والتعاون والتفاهم، ورسم الخطط المشتركة لمقارعة الإرهاب والداعشيين.
ان هذه القوى المتصارعة هي من تتحمل المسؤولية عما حل بوطننا. وعلى الرغم من التفاوت في حجم المسؤولية التي يتحملها كل منها، فلا احد من المتنفذين يستطيع ان يعفي نفسه من الأخطار المحدقة. وان مفاتيح حلحلة الأمور الآن واضحة وجلية، وتتمثل في الاستجابة الى النداءات المخلصة المنطلقة من داخل الوطن وخارجه، وفي إعمال العقل وعدم اختصار الوطن ومصيره بقضية شخص او مجموعة اشخاص. فهو اكبر من هذا بكثير، انه باق والافراد ذاهبون، والمهم ان لا يحشروا في عداد من جلبوا لأوطانهم السوء والكوارث او كانوا سببا في ذلك.
الوطن الان في لحظة مصيرية، ومن غير المقبول ولا الجائز ان يتواصل التهاتر والتعنت، فيما النيران يتصاعد لهيبها ويأتي على الأخضر واليابس. فلا احد بمنجى منها، ويخطئ كثيرا من يتصور أنها لن تصل إليه إذا ما تواصل هذا المنهج وهذا الأداء البائس غير المسؤول.
ان لنا وطنا نريد الحفاظ عليه وتطويره، لصالح جميع أبنائه على اختلاف قومياتهم وطوائفهم وتياراتهم السياسية والفكرية، وطنا يتسع للجميع باستثناء أعدائه ومن يريد به سوءاً. فمن غير المسموح ان تقتل أحلامنا، وتصادر أمنياتنا تحت أي مسمى كان. والناس عليها في هذا المنعطف الخطر ان تقول كلمتها الفصل، وان تتحرك وتضغط على الجميع لينصاعوا الى الإرادة التي ترفض كل ما يجري، ترفض داعش وأشباهها، وترفض مليشيات القتل، وكل من يريد إحلال الفرقة والبغضاء بين أطياف الشعب وأبنائه.
ان الوطن في خطر، فهل يستجيب النواب لندائه؟ ويتحملون مسؤولية تصحيح الأوضاع، والسير بالبلاد الى شاطئ الأمان والاستقرار؟
انه الامتحان الحقيقي للإرادات الوطنية المخلصة.