المنبرالحر

سياسة تلغيم المعابر / عبد المنعم الاعسم

اتهامات رئيس الوزراء نوري المالكي لادارة اقليم كردستان بايواء الارهابيين، اخذت من قبل ممثلي الجماعات السياسية العراقية المختلفة بعدم الاكتراث وطالب وتشكك بعضهم بالواقعة ودعوا الى تقديم بيّنات على هذا الاتهام، فيما عدّه المراقبون والمحللون المحايدون كمحاولة تصعيد، غير ذي حكمة، على جبهة حساسة لا تتحمل مثل هذه المخاشنات إلا في حساب تلغيم المعابر الى الحل السياسي لأزمة العراق ومنع تغيير الادوات والسياسات والوجوه التي تسببت في الكوارث الامنية والسياسية التي تعصف بالبلاد.
وإذ لا يتفهم المتابع الموضوعي جدوى وحصافة بعض التصريحات التي سجلت نفسها على الجانب الكردستاني بصدد التصورات الاستباقية لمستقبل الاقليم، وحول التعاطي مع الرموز المشجعة للتطرف والعنف والطائفية المضادة، فان الشكوى من هذا إذ تعالج عادة في القنوات السياسية والدستورية فهي لا تبرر تزييت ماكنة التهديدات وتبشيع مواقف الاقليم والكرد وزج عقد الشراكة في الوطن وسلطة القرار والمصير الواحد الى شكل من اشكال الفرضية القابلة للإنكار، وسيكون هذا الموقف شديد الخطورة عندما يتبناه الرجل الاول في ادارة الحكومة والدولة.
اقول، بدلا من تنشيط المعابر المختلفة لحل ازمة الرئاسات بما يعبئ الدولة والمجتمع لدحر الارهاب والعصيان المسلح في الموصل ومناطق اخرى فان التقويم اليومي للاحداث والمواقف يحمل على الاعتقاد بان كابينة رئيس الوزراء تقود المعركة خارج ساحاتها الرئيسية وتنشغل في تسويق مظلومية، مشكوك فيها، من مؤامرة مزعومة ينخرط فيها كل من يرفض الولاية الثالثة للمالكي، ويشاء اصحاب هذه المعركة العبثية ان يوسعوا دائرة الخصوم، بل ويصطنعوا المزيد من الخصوم، بفتح معركة مع الاقليم، مصحوبة بفيض من الريب والشكوك والطعون في جدوى الاخوة بين العرب والكرد.
على ان العلاقة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان لا ينبغي ان تُختزل الى لعبة التلغيم، واستعداء الجمهور وشحنه بالكراهية القومية والتهديد والتصعيد الاعلامي والاتهامات لأنها لا تتعلق بالاعتبارات والصلاحيات الادارية الدستورية فقط بل وتتصل بجوهر هيكلية الدولة العراقية ومستقبلها كدولة متعددة القوميات والعقائد والانتماءات، ويلزم ان يجري التذكير بخطورة البناء على ردود الافعال والمراهنة على الكسب الاعلامي القائم على توليف الشائعات والتسريبات المغشوشة.
في السياسة، وكذلك في التكتيك العسكري، لا يُعد تلغيم المعابر ضروريا، ونافعا، إلا حين تكون قد اشرفتَ على الهزيمة، أو ان الدائرة وهوامش المناورة قد ضاقت من حولك، فتسعى الى عرقلة تقدم «العدو» وتُشاغله ريثما تنجو، او تُحسّن شروط الاستسلام.
وفي كل الاحوال، يعكس تلغيم المعابر هشاشة تقنيات المناورة، وانهيار الدفاعات النوعية، لكن التجارب اكدت ان تلك الالغام «الوقائية» قد تنفجر باصحابها وتلحق بالمدافعين، المهزومين، افدح الاضرار، وهذا (كمثال عسكري) ينطبق على تلغيم الملفات السياسية في محاولة لخلط الاوراق واثارة الريب والشكوك والتهديدات، بدل فتحها والبحث عن مفاتيح واقعية لتسوية الخلاف الذي يقال انه لا يفسد للود قضية.. إلا حين يهدد كرسي السلطة.

********
«نظام الفرد الواحد ليس سوى اختراع ابتدعه الشيطان ليخلـّد بين الناس عبادة الأصنام ويروج بضاعة الوثنية».
توماس بين- كاتب ومخترع انكليزي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر اسبوعيا بالتزامن مع جريدة (الاتحاد)