المنبرالحر

تقاسم السلطات طائفيا وعرقيا / طه رشيد

التغريب عند الفنان والكاتب المسرحي الالماني برتولد بريشت يتلخص بتحويل الفعل من المألوف الى اللا مألوف. والمقصود بالفعل هنا هو كل نشاط يؤدي الى تدمير الانسان والطبيعة وسلب الانسانية معناها العميق وحقها بالعيش المتطامن والمتساوي والآمن على سطح هذا الكوكب ..تلك الافعال التي لا تنسجم مع قانون الطبيعة والتي تتحول ، للأسف، بفعل تكرارها الى عمل مألوف، وكإنها امر طبيعي لا يستحق الاحتجاج. القتل اليومي العمد يملأ شوارع العراق المتخم بالمفخخات والعبوات والكواتم واللاصقات وكأنه امر طبيعي . التجاوز على الحرية الفردية، التي كفلها الدستور، هي الاخرى اصبحت فعلا مألوفا . الفساد والرشوة ينخران اوصال الدولة، من هيئة النقل في الباب الشرقي حيث تسلب هذه الهيئة سواق «الكيات» صباحا ومساء ارزاق اطفالهم، الى ابواب اهم الوزارات سيادية ، وهكذا اصبحتا، الرشوة والفساد مألوفتين!!
والاخطر من هذا وذاك هو تقاسم السلطات الرئيسية في البلاد، فرئيس الجمهورية كردي ورئيس البرلمان عربي سني ورئيس الحكومة عربي شيعي ونواب الرئاسات الثلاث كذالك يتوزعون على الطوائف والاثنيات. وهذا التقسيم للعلم والاطلاع ليس دستوريا بمعنى لا توجد فقرة بالدستور تحدد دين او طائفة او قومية هذا المنصب او ذاك بل انه اجتهاد بدأ به « المتحاصصون» بعد السقوط وهو عمل غير مالوف في العراق، ولكنه اصبح بفعل التكرار والعادة عملا مألوفا.. فهل نقبل به لاننا تعودنا عليه؟ ام ان الواجب الوطني يحتم علينا رفضه والتظاهر ضده والطعن به امام المحكمة الاتحادية والعودة باسرع وقت ممكن الى الدستور. وكلامنا لا يعني بالمطلق رفض رئيس الجمهورية لانه كردي او رئيس الوزراء لكونه شيعي ، بل اننا نرفض المبدأ الغريب الذي بني عليه هذا التقسيم الذي يشبه الى حد كبير توزيع السلطات في الجارة لبنان . هذا المبدأ هو اسفين بين المكونات المختلفة للشعب، هو حواجز كونكريتية ونفسية ستؤدي مستقبلا الى المزيد من التجزئة والتفرقة والتشرذم . علينا العمل من الآن : مثقفون، حقوقيون، اعلاميون ، منظمات مجتمع مدني، لمنع تكرار ما يحدث اليوم. علينا ان نطالب بجعل العراق دائرة انتخابية واحدة، وهنا فان الترشيح للانتخابات سوف لا يكون اقليما ولا يكون طائفيا ، وقبل هذا نطالب البرلمان الجديد باقرار قانون الاحزاب ومنع تأسيس اي حزب على اساس طائفي . ليكن العراق هو مشروعنا الاساس. ولنحدق في صورة الشارع بشكل جلي كي نتبين كل فعل مسيء غير مألوف يحاول ان يقنعنا بانه مألوف . ولا بد من ان نرفع اصواتنا التي اصبحت غير مألوفة على اذن المسؤول لندرتها وضعفها وشحتها مثل الماء النقي في هذه الايام !