المنبرالحر

كفى .. ثم كفى!/ محمد عبد الرحمن

تمكن مجلس النواب في الاسبوع الماضي من اختيار رئاسته. وعد البعض ذلك انجازا كبيرا. وهو كذلك حقا في الظروف السائدة في بلدنا، وما يشهد من صراعات على المناصب ومن تشبث بالمحاصصة التي لا يستطيع احد الدفاع عنها علنا. وقبل جلسة الانتخاب جرى تداول اسماء عديدة لتولي المناصب، لكن يبدو ان مساومات اللحظة الاخيرة، خاصة من جانب التحالف الوطني ، جاءت على عكس بعض التوقعات. واكدت مجريات الامور ان المتنفذين يصرون على النهج ذاته، رغم انه مدمر ومولد للازمات وطارد للكفاءات ومثبط للهمم ومبدد للطاقات ومصادر لمبدأ المواطنة واستحقاقاتها .
نعم، ان ما حصل يعد عندنا اليوم شيئا مهما، فيما الموضوع كله لا يستغرق دقائق ربما في بلدان اخرى، بناؤها الديمقراطي مستقر ومؤسساتها وقوانينها ودستورها هي الحاكمة ، والقضاء فيها يقول كلمته بغض النظر عمن يتربع في السلطة، ولا يكترث كثيرا بتهديدات الملفات العالقة. ويقدم لنا قضاء فرنسا مثلا بمحاكمته الرئيس السابق ساركوزي هذه الايام، وبتعامله المماثل قبل ذلك مع جاك شيراك ، كذلك وقفة القضاء المصري ابان حكم مرسي، ادلة على ما نقول.
وقد فرحت ، ومثلي العديد من العراقيين ربما، بما حصل باعتباره خطوة على طريق استكمال الاستحقاقات الدستورية وملء الفراغات، واستكمال المشوار بانتخاب رئيس الجمهورية ونائبيه ، وتسمية مرشح الكتلة البرلمانية الاكبر ( التي ما زال قرار المحكمة الاتحادية بشأن آلية تشكيلها موضع جدل ) ليكلف بتشكيل الحكومة، التي ينتظرها الكثير الكثير من العمل . فالسلطات الثلاث الجديدة سوف تبدأ عملها في اوضاع تسودها الفوضى، واختلاط الحابل بالنابل، وفقدان السيطرة على ما يعادل ثلث مساحة البلاد جراء غزو ما يسمى  الدولة الاسلامية. فعلى الحكومة الجديدة التحرك بسرعة للملمة الكثير من الاوراق، والعمل - اذا صح التعبير - على وقف التدهور المريع الجاري على كل المستويات والصعد، والحؤول دون وقوع الاسوأ.
والامر المقلق في شأن المجلس وإمكان قيامه بواجباته على النحو السليم، ان العديد من اعضاء البرلمان لا يزال ينتظر اوامر رؤسائه، وان القضايا تحسم في اجتماعات رئاسات الكتل خارج مجلس النواب، وربما بصورة تتقاطع مع ارادة بعض النواب. ويزداد القلق عند رؤية هذا التدافع على المناصب، فيما الحرائق في ارجاء الوطن المختلفة يزداد سعيرها .
ان ما جرى ويجري لحد الان لا يؤشر استيعاب الدرس بعد، من جانب البعض على الاقل. والانكى ان هذا البعض لا يريد ان يدرك انه جزء فاعل في المشكلة، وانه من صناعها بامتياز. ومن ثم يصعب ان يكون جزءا من الحل، لا سيما وانه حين اتيحت له الفرصة، لم يزد الامور الا تعقيدا. وها هي الحصيلة واضحة امامنا تتجسد في هذه الفوضى الطانبة، والتدهور الذي فاقمته استباحة تنظيم داعش الارهابي وحلفائه اراضي وطننا ، جالبين معهم الموت والتخلف .
اذا لم يتم التوقف بتمعن عند احداث الفترة القريبة الماضية، ومراجعتها بصورة جدية، واستيعاب ما جاءت به من دروس غنية، فان من الصعب توقع اختراقات ملموسة لصالح تعزيز العملية السياسية وتطويرها اللاحق ، وبناء العراق الديمقراطي الآمن والمستقر. ويبقى واجبا الا يترك الامر في نهاية المطاف لأهواء وتصرفات من اختبروا، وما زالوا يصرون على نهجهم الخاطئ . فهنا لا بد للناس من ان ترفع صوتها وتقول كلمتها !