المنبرالحر

صباح الخير يا شرقنا الأوسط الجديد !./ صادق محمد عبد الكريم الدبش

حين بدأ ما أصبح يطلق عليه اليوم بألربيع العربي ، والذي بدأ قبل أكثر من ثلاثة أعوام في تونس ، بأحراق بوعزيزي نفسه ، أحتجاجا وأستنكارا للوضع المزري للشعب التونسي وكادحيه ، نتيجة ظلم وأجحاف النظام التونسي لحقوق التونسيين ، ولمصادرة حقهم الطبيعي في الحرية والأنعتاق والتقدم ، وتبعتها الهبات الجماهيرية في كل من سوريا وليبيا واليمن وجمهورية مصر العربية ، ومن المسلم به ..بأن كل هذه الأنشطة الجماهيرية في هذه البلدان والبلدان الأخرى كانت تعبر عن المزاج الجماهيري وما يعانيه على يد تلك الأنظمة ، والتي لم تتعظ من تجارب التأريخ ، ولم تفهم !..أو أنها لا تريد أن تفهم وتنصاع لأرادة الناس ...والتخلي عن نهجها في مصادرتها للحريات وأستيلائها على ثروات البلاد دون وجه حق ، وممارسة كل أنواع الأضطهاد والقمع ضد هذه الأنشطة الجماهيرية المشروعة ، ولو أدركت هذه الأنظمة لمسؤولياتها مبكرا !..لوفرت لنفسها ولشعبها كل هذه النوائب والمحن ، ولعبرت الى الضفة الأخرى بشكل سلمي ومن دون خسائر لها ولشعبها ، ورغم مرور ما يقرب على أربع سنوات فما زال الكثير من الأنظمة العربية والتي ما زالت في منأى من هذه الهبات الجماهيرية والانتفاضات ....ما زالت ممانعة ومتسمرة حيال مطالب جماهير شعبها، ولا تريد التزحزح قيد أنملة، ولم تتعظ بكل ما جرى وما زال يجري في هذه البلدان ، وهو في أزدياد وتوسع في أكثر من بلد ، فقد شمل اليوم ومنذ فترة غير قصيرة ، كل من البحرين والسودان وجنوب السودان والصومال وموريتانيا والمملكة العربية السعودية والكويت وهناك تململ في المغرب والجزائر وغيرها ، أن الأصرار على الممانعة والتعنت في النظر الى مطالب هذه الشعوب سوف يكلف هذه الأنظمة وشعوبها أثمانا باهضة، نتيجة للسلوك الأهوج والمنافي لكل الحقوق والحريات التي يجب ان تتمتع بها كل شعوبنا الشرق أوسطية ، وما زال أمام هذه الأنظمة متسع من الوقت لتراجع سياساتها الحمقاء ! والرضوخ لأرادة الناس في تلبية مطاليبهم العادلة في الحرية والأنعتاق والرخاء ، وبعكسه فاللهيب والشرر المتطاير من أرجاء مختلفة من منطقتنا ، لقادم أليكم ولن تكونوا في منأى عن هذا أبدا .
جرت محاولات حثيثة ومخزية وارهابية من جهات دولية ومحلية مختلفة ، وأستخدموا كل وسائلهم الدنيئة والمعادية لأرادة هذه الشعوب في الخلاص من البؤس الذي يعانون منه على يد أنظمتهم المتخلفة والغارقة بالرجعية ، والتي في أغلبها من صنع ومباركة القوى الرأسمالية والأستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية . وبعد انهيار هذه الأنظمة في تونس وجمهورية مصر العربية وأسقاط النظام الليبي بقيادة الراحل معمر القذافي ( الغير مأسوف عليه ) على يد الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو وخارج أطار القانون الدولي ، بعد أنهيار هذه الأنظمة وشعور الأمبريالية بأنها ربما سوف تفقد مواقعها وركائزها ، وستكون مصالحها في خطر على يد الأنظمة الجديدة ، فقد قامت الدول الرأسمالية بأستخدام نفوذها لدى كثير من البلدان التي مازالت تسير في ركاب سياساتها ، للتأثير على هذه الثورات والهبات الجماهيرية ومحاولة حرف أهداف وتوجهات هذه الثورات عن مساراتها وأهدافها ، من خلال التدخل المباشر عسكريا مثلما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا والى حد ما في اليمن والصومال وتدمير هذه البلدان وتمزيقها ، وتركها تواجه مصائرها بنفسها ، مما عرضها لأفدح الخسائر ، حتى أصبحت مهددة بوجودها كدولة، او تحولت الى دولة فاشلة تتقاذفها الصراعات الأثنية والطائفية والمناطقية ، مثل ما يحدث في العراق وليبيا وأفغانستان واليمن والصومال والسودان وغيرها .
أن التدخل الأمريكي الذي بدء بعد الزلزال الذي حدث في العالم عام 1990م بأنهيار الأتحاد السوفيتي وما كان يعرف بحلف وارشو ، والذي كان يشكل توازنا دوليا ، ومنعا لتفرد الولايات المتحدة كقطب وحيد ، لقد مكن هذا الغياب (للمنظومة الأشتراكية !) الولايات المتحدة من فرض سياساتها العدوانية على شعوب العالم وخاصة من العالم الثالث ، وبشكل سافر خارقة لكل المواثيق والأعراف الدولية وشنها للحروب الظالمة عن طريق القوة والتدخل المباشر ، تحت ذريعة تصدير الديمقراطية !سيئ الصيت، وقيام الشرق أوسط الجديد ، من خلال ما أسمته بالفوضى الخلاقة !!!.
من خلال هذا النهج العدواني المحموم للكولنيالية الأمريكية وربيبتها أسرائيل وحلف الناتو ، ومد القوى الأرهابية المتطرفة المتمثلة في الأسلام السياسي المتطرف ( القاعدة ...وما أصبح يعرف اليوم داعش ، أو الدولة الأسلامية ..وجبهة النصرة..ودعمها للنظام القائم في تركيا وقظر والذي يهيمن على مقاليده الأخوان المسلمون ) وكذلك الضغط على النظام الجديد في جمهورية مصر العربية بغض الطرف عن نهج القوى الراديكالية الأسلامية المتطرفة وما تقوم به من أعمال أرهابية وجرائم وأغتيالات وتخريب ، بحجة الدفاع عن الديمقراطية من جانب ، ومن الجانب الأخر محاولة القوى الأمبريالية بأستمالة النظام المصري الجديد والذي يعاني من علل وأمراض موروثة ، أستمالته بأغراءات ووعود مباشرة بمنحه مساعدات مالية ، والأيعاز الى دول الخليج بأمداد مصر بمساعدات وهبات مالية سخية وعاجلة ، وذلك للتأثير على السياسة المصرية ونهجها المستقل . هذه الصورة المشوشة ولكنها مخيفة في جوهرها وتخفي ما ورائها وما يتم تنفيذه بليل للمنطقة الشرق أوسطية . ان تمدد داعش في العراق وأحتلاله لمساحات شاسعة وسيطرته على مدن مهمة وعلى أموال طائلة ومناطق حيوية ونفطية ومنذ ما يقرب الشهرين ، وبطشه اللاأخلاقي والمشين وتهجيره لمكونات أساسية من مجتمعنا العراقي، وعلى سبيل المثال ...المسيحيين والأكراد والشبك والأيزيديين وغيرهم ، وعلى مرأى ومسمع الولايات المتحدة ، وهي المسؤولة عن حماية العراق كدولة تم احتلالها وبشكل مباشر ، وهي المطالبة بأعادة الأمن والأستقرار للعراق ، وأعادة تعمير ما خربته الحرب العدوانية عام 2003م.
ان السياسة الامريكية تجاه المنطقة وما يحدث اليوم في سوريا والعراق وليبيا وما أستجد من عدوان سافر وبربري وأرهابي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وبضوء وموافقة ومباركة الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث يعاقب شعب غزة بحجة أن حماس تطلق صواريخها على أسرائيل ، والتي ليس لها اي تأثير عملي على أرض الواقع . الى أين تسير المنطقة ؟ وماذا يريد حكام البيت الأبيض ؟ ألم يكفهم كل هذه الزلازل التي حدثت في المنطقة ونتيجة مباشرة لنهجهم وسياستهم ، ولماذا كل هذه الغطرسة والحقد وكل هذه العنصرية على شعوب المنطقة والعالم ؟ ألم تمنعهم ديمقراطيتهم وتبجحهم بالحرية وحقوق الأنسان والعدالة من القيام بمثل هذه الجرائم وتعمل من أجل وقف هذا السيل الجارف ..والذي يسير وبوتائر متسارعة نحو المجهول !، والتي لا ندري من الذي سوف يلقى حتفه ؟ ومن يصيبه شرر هذه الحروب والكوارث والتي تسري في المنطقة كالنار في الهشيم ؟ .
هذه الأسئلة وغيرها ونتيجة للخطر الداهم على الجميع في شرقنا الأوسطي ، نقول لدول المنطقة وحكوماتهم ..وللشعوب المغلوبة والمصادرة حقوقها ، أنتم أمام مرحلة هامة وخطيرة ، وفي مفترق طرق ، فأما تتداركوا الشر قبل أن يصبح من المحال الخلاص منه ومن نتائجه !..أو الذهاب الى المجهول !..والذي قد يكون مدمرا وبشكل تام .
على كل قوى الخير والتقدم والسلام أن تعي مسؤوليتها تجاه الأمن والسلم الدوليين ، وعليها واجب التصدي للنزعة العدوانية والتوسعية المدمرة لحاضر ومستقبل البشرية ، وأن تتصدى للسياسة الأمريكية وحلف الناتو ، والسعي للجم العدوان والحرب ضد الشعوب المستضعفة والمقهورة في مناطق عديدة من شرقنا الأوسطي ، وليحل محله السلام والتعايش والبناء بديلا عن الحرب.
أن مساندة الشعب الفلسطيني في نيله لحقه في اقامة دولته الوطنية المستقلة ووفق شرعة المنظمة الدولية ومجلس الامن والقرارات ذات الصلة ، والذي خاض من أجله الشعب الفلسطيني نضالا عنيدا ودفع ثمن هذا النضال الملايين من الضحايا ، والملايين الأخرى تعيش في بلدان اللجوء من دول الشتات .
ان الأنظمة العربية عليها ان تنتبه لما يحدق بها من أخطار، وهي سوف لن تكون بعيدة عن هذا الحريق المستعر في فلسطين والعراق وليبيا واليمن ومناطق أخرى ، عليها أن تقف مع شعوبها وتبرر ثقتهم حتى وأن كان في الوقت الضائع فلا ضير في ذلك ( تصل متأخرا خير لكم أن لا تصلوا ) فتداركوا أمركم وأكتبوا في صفحة التأريخ كلمة صدق ورسالة محبة وعربون وفاء لمن أوكلكم أدارة شؤونه وسلمكم زمام أموره !..فكونوا أمناء لهذه المسؤولية التي قبلتموها ، فالمسؤولية هي تكليف وليس تشريف.
وكلمة أخيرة أقولها للتأريخ ، أن شعوبنا اليوم تدفع أثمان باهضة نتيجة للسياسة العدوانية المسلطة عليه من قوى شريرة وأرهابية حاقدة ، هويتها الموت والدمار والأستعباد والظلم والقهر وزرع الخوف في نفوس هذه الشعوب، وهي ليس لها دين وليس لها وطن، ويحل الموت أينما تحل !..وأي أرض تطؤها !..، ولا يغرنكم المدعون والمارقون الذين يحاولون أن ينسبوهم الى الدين الأسلامي الحنيف ، والدين منهم براء ، نعم سوف تدفع هذه الشعوب في نضالها هذا ...الغالي والنفيس ، بالأرواح والمال ...ومثلما تشاهدونه اليوم في غزة والعراق وأفغانستان وليبيا ومصر واليمن ومناطق أخرى ، وللأسف تتم هذه الجرائم والحروب بمباركة غربية ومناطقية عربية وأقليمية وبأموال عربية، ووفق مخطط أمبريالي صهيوني رجعي مقيت ، رغم كل هذا سوف تكون كلمة الفصل في أخر المطاف لشعوبنا التي ستنتصر حتما وستحاسب كل من كان يمد ويغذي هذه الحروب او كان يخوضها بالنيابة ووفق اجندات غير شريفة وغير مقدسة .لترتفع الأصوات لأيقاف الهمجية الأسرائيلية ولتتوقف الحرب ، ويسود محله السلام والتعايش والرخاء .