المنبرالحر

غيرة الكلب (لولو) وغيرة المسؤول العراقي / عبد جعفر

جاء في قاموس المعجم العربي الحديث (لاروس):
الغيران: ذو الغيرة على أهله، وهي غيرى، وجمعها غيارى
والغيرة شعور بالثورة ينتاب أحد الحبيبين أو أحد الزوجين لما يراه من تودد حبيبه الى غيره أو تودد الغير الى من يحب.
ويأتي ذكرنا الى هذا التعريف بعد أكتشاف أن الكلاب تغار كما أعلنت عالمة نفسية امريكية كريستين هاريس من جامعة كاليفورنيا، غير أن غيرتها تظهر بشكل بدائي كي تؤكد بأن لامنافس لها من يحظى بالانتباه، والغيرة لديها ليست معقدة كالمشاعر الإنسانية.
وقالت العرب آلف من كلب (لأن صاحب المنزل اذا رحل عنه لم يتبعه فرس ولا بغل ولا ديك ولاشيء مما يعاشر ألا الكلب فأنه يتبعه ويحميه ويؤثره على وطنه ومسقط رأسه)
ويبدو أن الروائي والقاص الراحل يوسف إدريس هو واحد من الأدباء الذي توصل أن الكلاب تشعر بالغيرة من خلال قصته القصيرة (هي وكلبها) وهي من قصصه الأولى التي كتبها أواخر الإربعينيات من القرن الماضي، والقصة تحكي غيرة الكلب (لولو) من الشاب نبيل خطيب الفتاة سلوى، ولم ينج نبيل من عضاته رغم محاولاته التودد أليه، وأنتهت بضرب (لولو) على رأسه وظهره في هرواة غلظة أصابت منه مقتلا من قبل سلوى.
وربما تشترك الحيوانات الأخرى في هذه الصفة الإجتماعية، الأ مسؤولنا العراقي (أذا إعتبرنا الإنسان حيواني إجتماعي بطبعه)، ونعني بالمسؤول: من كان بموضع المسؤولية التي يعرفها قاموس( لاروس) الإلتزام بإزالة الضرر الواقع على الغير بفعل المرء أو بسببه.
وفقدان الغيرة أو المسؤولية لديه عديدة و متنوعة:
- ينام ملء جفونه في منزله المريح والمحمي، بينما يتظلى الناس من الحر والبرد والمطروالفقر ومن إرتفاع الأسعار وقلة الماء الصالح للشرب، وزحمة المواصلات وقلة الخدمات الطبية وغيرها.
- ينام ملء جفونه والقتل والتفجير والإرهاب يطال (رعيته) مادام الإنفجار لم يزحرحه من كرسيه. فليس في قاموسه كلمة السيد ماركس (إن الأنسان أثمن شيء في الوجود)
- ينام و(ما فاز ألا النوم) وهو غير معني بالفساد الذي جعله قانونا ينخر إجهزة الدولة، ويطحن عظام البسطاء ويشرد الأطفال والأرامل في الشوارع..ويأكل ألاخضر واليابس ويجعل البلاد في مهب الريح.
- ينام ...بعدما ينبح أقصد يخطب، الخطبة العصماء داعيا للمحبة ومحاربة الطائفية والعنصرية، ليرمي بعد ذلك كلمته مع كومة ورق التواليت، ساخرا من تصديقنا أياه.
- ينام ...وكل ما يهمه أن يصحو ثانية ويرى أن منصبه وإمتيازاته لم تتغير، حتى وأن ساح الدم قبل الماء تحت جسر مملكته، وأن الوطن مطعون بأكثر من خنجر هنا وهناك..
- ينام .. والعراق يتلظى من جرائم عصابات الإرهاب المختلفة، ولا يحس في نفسه أنه ذليل والذليل من ذل في سلطانه، كما يقول المثل العربي.
ولو كان الراحل يوسف إدريس معنا الآن ، وقارنا كلبه (لولو) مع مسؤولنا العراقي، لقال ساخرا:
- مادمتم تراهنون على أن ترجع الغيرة الى المسؤول، فأنتم كمن يجمع الضوء بالشبك، فأي جامع يجمع بين الوطنية وتجار الفساد والطائفية والأمتيازات؟ فهؤلاء المسؤولون، أحمق من دغة، وهو مثل يضرب على الحماقة ، فدغة ( نظرت الى يافوخ ولدها يضطرب وكان قليل النوم كثير البكاء. فقالت لضرتها: اعطيني سكينا. فتناولتها وهي لا تعلم ما أنطوت عليه. فمضت وشقت به يافوخ ولدها، فأخرجت دماغه. فلحقتها الضرة فقالت : ما الذي تصنعين. فقالت: اخرجت هذه المدٌة من رأسه ليأخذه النوم، فقد نام الآن).