المنبرالحر

لم تعد عجائب الدنيا سبعاً! / مرتضى عبدالحميد

كنا نقرأ باعجاب ودهشة عن العجائب السبع الموزعة في مختلف البلدان ومنها الجنائن المعلقة في بابل، وكانت حقاً عجائب في ذلك الزمن الجميل. وفي العصر الحديث أنتجت شعوب البلدان المتخلفة في مسيرتها الديمقراطية والحضارية عجائب جديدة تفخر بها البشرية جمعاء. بالمقابل نرى في البلدان المختلفة، ومنها العراق المبتلى بقادة وحكام امتهنوا الخرافة السياسية، والتضحية بكل شيء، من اجل عيون الكرسي، عجائب من نوع آخر، عجائب لا تمت للتقدم والحضارة بشيء، بل لا تمت لما يفعله الانسان السوي في حياته اليومية. وساكتفي باعجوبة واحدة من هذا?النوع الذي ابتلينا به، واقصد بذلك تحديداً غياب مفردة التنحي او الاستقالة من قاموس السياسيين ورجال السلطة العراقيين، ومهما كانت نسبة الفشل والخراب اللذين تسببوا بهما.
لا نأتي بجديد إذا قلنا، أن هناك دولاً كثيرة يتنازل المسؤول فيها عن سلطته طوعاً، إذا ارتكب خطأ بسيطاً، رغم انه منتخب بنسبة عالية من الاصوات، وبطريقة ديمقراطية حقيقية، لأنه تربى ومارس السلطة على أساس أن الأنسان هو القيمة العليا في المجتمع، وبالتالي لديه القناعة الكاملة، بأنه مسؤول قولاً وفعلاً عن كل فرد من افراد هذا المجتمع، لا عن الطائفة أو القومية أو العشيرة. والأمثلة لا تعد ولا تحصى، وسأكتفي ايضاً بمثل واحد من بلد لا يملك عشر معشار ثرواتنا، ويقل عن العراق شعباً ومساحة بعشر مرات، هو الدانمارك، حيث قدم وزير التعاون الدولي «كريستيان فيشباك» استقالته من منصبة لأنه أعطى معلومة غير دقيقة الى البرلمان، رغم أن موظفيه هم الذين قدموها له، لكنه اعتبر نفسه مسؤولاً عن ذلك، ورغم المناشدات الحكومية والبرلمانية بان الخطأ لا يستدعي ذلك، إلا إنه أصرّ على الاستقالة! بل حتى بلدان امريكا اللاتينية، وبعض بلدان آسيا، التي هي أقل تطوراً بكثير، أخذت تتعلم ممارسة الديمقراطية، وتتبنى ثقافة التنحي عن الوظيفة العامة في حالة الفشل أو الخطأ وإن كان جزئياً.
في عراقنا العزيز، يدعي قادتنا الميامين، أنهم لم يبخلوا بأي جهد، لمجاراة هذه الدول، وشعوبها المحظوظة، لكنهم أنتجوا لنا شيئاً معاكساً تماماً هو ما يصطلح على تسميته بالسيكوتين السياسي، والالتصاق بالكرسي حتى الممات.
وللأنصاف نقول: أنهم أرادوا بذلك أن يكرسوا حالة التميز التي اشتهر بها العراق في العقود الاربعة أو الخمسة الأخيرة، وأبرز معالمها الاستبداد ومصادرة الرأي الآخر، والرشوة والارهاب المنفلت، والمحاصصة البغيضة، فكانت الحصيلة بقاء العراق في ذيل قائمة دول العالم الأكثر تخلفاً، وهو ما تلخصه العبارة المحزنة التالية التي وردت في تقارير المنظمات الدولية (العراق أسوأ بلد للعيش في العالم).
ومع كل هذه الكوارث، لم نر ولم نسمع أي مسؤول عراقي قدم استقالته او اعتذر للناس وهذا أضعف الايمان. والأنكى من ذلك، أنهم لم يكتفوا بهذا الأصرار المرضي على الخطأ والخطيئة، وإنما بذلوا وما زالوا يبذلون المال الحرام لشراء الذمم، والنفخ في نار الطائفية، والقيام بكل ما من شانه بقائهم ملتصقين بكراسيهم الوثيرة، وليشرب الشعب من البحر!