المنبرالحر

«الانثروبولوجيا» في مجلس عزاء! / ريسان الخزعلي

حضرت قبل ايام مجلس عزاء، وكان المجلس مكتظاً بالمواسين، وقد لفت انتباهي حديث رجل كبير السن، مع شباب يناقشون موضوعاً ثقافياً يتعلق بطبيعة المجتمع العراقي وما يتعرض له الآن من هجمات تحاول تقويض وجوده التاريخي والثقافي (الموصل مثلا)، وكان الشباب يمطرون الرجل بمصطلحات يعتقدون انها التفسير الواقعي لما يحصل، ومن بين تلك المصطلحات، كان مصطلح (الانثربولوجيا) هو الأكثر تداولا في حديثهم، إلا ان الرجل لم يكترث بتفسيراتهم، وما كان منه الا ان ينتفض قائلاً: «عمي اذا هاي الثولوجيا هي المشكلة ليش ما إتشوفون إلنه حل وانتم إمسوين روحكم مثقفين!».
ان غياب الدراسات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لحظة تعرض البلد، اي بلد، الى ازمة، يساهم في تعطيل الكثير من الحلول، حيث ان هكذا دراسات من شأنها ان تكشف الاسباب الحقيقية للازمات، وتطرح بعض الحلول الممكنة، من هنا وجدت ان حديث الشباب مع الرجل يصح في اكثر من حالة. وما دام هذا الحديث عن (الانثروبولوجيا) فانها تعني دراسة الانسان، وهو مصطلح شامل وواسع يشمل التطور البايولوجي والحضاري للانسان، والعلاقات البايولوجية بين الناس، وكذلك المبادىء التي تحكم علاقات المجتمعات بعضها مع البعض الآخر. وقد تطور المفهوم من دراسة الانسان الى ان اخذ يعني الطبيعة الفيزيولوجية والسايكولوجية للانسان، وهكذا كانت هنالك دراسات في الانثروبولوجية الطبيعية، حيث يتم فحص طبيعة الاختلافات العنصرية بين الناس، ودراسة العوامل المختلفة في تشابه او اختلاف اعضاء الجنس البشري، وكل ذلك يتم باستخدام علوم متعددة: (التشريح، الآثار، الكيمياء، البايولوجيا، النبات، الجيولوجيا..الخ). كما ان دراسات اخرى في الانثروبولوجيا الاجتماعية تدرس القيم والاحكام والسلوك الانساني الخاص بالناس، وتكرس اهدافها على فحص المجتمع برمته بدءاً من العناصر الاولية او الوحدات البنائية لهذا المجتمع، ويستلزم استعمال طريقة المشاهدة المباشرة. ويضاف الى هذه الدراسات، دراسات الانثروبولوجيا الفلسفية التي تهتم بالطريقة المنطقية الجدلية، والتي من خلالها يمكن بناء النظريات مع برهان شرعيتها وصحتها. وان معجم علم الاجتماع الذي استعنت به في كتابة اشارتي هذه، يستطرد كثيراً في التفاصيل حول هذا الموضوع. وما دام الموضوع يتعلق بدراسة الانسان، فهل توافرنا على دراسة الانسان العراقي وبخاصة بعد عام 2003؟
وبالعراقي، وكأني بلسان حال الرجل الذي يسخر من الشباب: (چا اذا الثولوجيا هيچ مفيده، بلچي تنحل هالطلابه..!).