المنبرالحر

المهجرون يؤون المهجرين/ احمد عواد الخزاعي

في مفارقة غريبة اعتقد انها لا تتكرر الا قليلا جدا بين ثنايا وطيات التاريخ الانساني، هو ما حدث ويحدث في العراق خلال الاحد عشر السنة الماضية التي عاشها العراقيون وفق معادلات سياسية واقتصادية واجتماعية غريبة وشاذة عن واقع وطبيعة الانسان العراقي ، في شباط من عام 2006 قامت الزمر الظلامية بتفجير مرقد الاماميين العسكريين (عليهما السلام )..في محاولة واضحة من قبل هذه الجماعات المتطرفة لجر العراق الى حرب طائفية معلنة، واستفزاز الطرف الاخر لغرض الرد على هذا العدوان السافر ، واذا ما امنا بنظرية المؤامرة فأن الطرف المستفيد من كل ما جرى بعد هذه الحادثة هي القوات الامريكية التي حولت فوهات البنادق التي كانت تصوب نحوها الى صدور العراقيين انفسهم ، يقتل بعضهم البعض ، لتبقى هي تتفرج داخل ثكناتها وتراقب ما يجري من مسلسل القتل والتهجير على الهوية ولاكثر من عامين ، مما ساهم في خلق جو من الاحتقان الطائفي وفرز مجتمعي جعلت من العراقيين يلوذ كل منهم بطائفته وقوميته لتوفر لهو جوا نسبيا من الامن والحماية بعد ان تلاشت سلطة الدولة من الشارع العراقي ..ومن اكبر واهم نتائج هذا التدهور الامني هو نزوح الالاف من العوائل ومن كل الطوائف عن مدنها وديارها قصرا او طواعية خوفا من الموت ، مما خلق مشكلة خطيرة ومفصلية في مجتمعنا، ومن هؤلاء المهجرين بعض العوائل التي تركت بيوتها عنوة بعد تهديد الجماعات المتطرفة لها بالقتل في احدى مناطق بغداد الساخنة اّن ذاك ، وانتقلت الى مدينة النهروان على اطراف مدينة بغداد ، وسكنت بيوت الصفيح والجملونات هربا من الموت ..ولازالت لحد هذه اللحظة تخشى الرجوع الى ديارها ، وهذا الشيئ ليس بالغريب فلازالت الاف العوائل تسكن مجمعات المهجرين في بعض المحافظات وقد اندمج الكثيرين من افرادها في مجتمعات هذه المدن ولم يعودوا يفكروا بالعودة لديارهم ..المفارقة ليست هنا بل هي في ان مناطق هؤلاء المهجرين السابقين وشوارعها الرئيسية المؤدية الى مدن الوسط والجنوب ..ومنذ الاحداث التي تلت سقوط الموصل وتكريت بيد داعش واعوانها في 9 حزيران ، وهم في استنفار تام لاستقبال وأيواء واغاثة المهجرين الجدد القادمين من تلك المدن ومن كافة الاطياف والاثنيات (شبك ومسيحيين وتركمان وايزيديين وسنة عرب)..والذين فتحوا لهم بيوتهم الفقيرة وسكنوا المدارس وافترشوا العراء في لهيب الصيف الحار شيوخ ونساء واطفال في ظاهرة تذكرنا بالمأساة التي عاشها الشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948 ونكسة 1967 وتهجير مئات الاف منهم خارج اوطانهم على يد الصهاينة ..لكن وجه الاختلاف ان مهجرينا هم داخل حدود دولتنا وتحت انظار حكومتنا ومسؤوليها والذين عجزوا بغنى العراق وثروته العظيمة عن اغاثتهم ، وعلى الرغم من الفقر والعوز الذي تعانيه هذه العوائل من سكنة النهروان الا انهم بذلوا كل ماعندهم في سبيل نجدة اخوتهم في الدين والوطن، واّثروا على انفسهم مساعدة هؤلاء الملهوفين والتخفيف عنهم من وطأة ماعانوه في رحلتهم الشاقة ومن جرائم عصابات داعش الاجرامية التي تدعي الاسلام زورا وبهتانا، وهذه المفارقة السوداوية لا تحصل الا في بلادي (المهجرون يؤون المهجرين )..وهنا تحضرني قصة حاتم الطائي التي ترويها بعض كتب التاريخ ..فقد سؤل هذا الجواد الكريم هل يوجد من هو اكرم منه في العرب ..؟..فقال نعم، يتيم نزلت بفنائه لديه من الشاة عشرة رؤوس يعتاش عليها ، نحر لي احداها فأستطبت ببعضها وكان الدماغ فأخبرته بذلك ، فأخذ يقدم لي الطعام نفسه كل يوم وحين غادرت فنائه واذا بي ارى الدماء قد ملأت المكان لأنه قد ذبح شياهه العشرة كلها ليطعمني أدمغتها .