المنبرالحر

الاثرياء.. ومحنة النازحين / ألفريد سمعان

كل المؤشرات تدل على المحنة الكبيرة التي يعيشها الوطن ومئات الآلاف من النازحين الذين ارغمتهم الظروف الصعبة والعدوان الهمجي على مغادرة بيوتهم وترك ممتلكاتهم التي تمثل حصاد العمر للعبث والسرقة والانتهاك، اضافة للمعاناة الشاقة التي واجهت هذه العوائل بأطفالها وشيوخها ونسائها. والجرائم التي ارتكبت بحقهم وبشكل لا يتصوره العقل ولا يحظى إلا بالاستنكار والغضب المشروع والحزن العميق، والجراح التي لن تندمل.
ان قلبي يتمزق وانا استمع للاخبار المروعة.. قتل الشباب وكل من يرفض الانتماء القسري للافكار الرجعية المتخلفة، وعلى الشابات الرقيقات اللواتي يعرضن في سوق النخاسة كسبايا.. ويا لها من مذلة، وامتهان للكرامات والادعاءات العريضة بالشرف والتضحية من اجل القيم النبيلة المهدورة، وتأخذني موجة من الحيرة وتكاد دموعي تسبقني للتعبير عن المأساة التي نعيشها بشكل لا يصدق. ترى كيف تراجعت اجهزة الامن والشرطة والحمايات وقوات جيشنا بهذه السهولة عن مواقعها.. وفتحت الطريق امام سيطرة الزاحفين على اراضٍ شاسعة ومساحات تعد بعشرات الآلا? من الكيلومترات، وهي تقف على ابواب مدن وتجتاح القري الصغيرة والكبيرة وتترك مئات الآلاف من النازحين على الارصفة وفي الحدائق العامة ودور العبادة واي مكان متاح للجلوس بعيداً عن الازدحام والضجيج الحزين وآهات المشردين.
ان الوضع بحاجة الى علاجات حقيقية ترتكز بشكل خاص، على تشكيل الحكومة وخضوع الاجهزة الامنية وتحشيد الملايين للمجابهة وليس بالجلوس في ساحات التدريب واقامة الاستعراضات والتباهي بالبنادق التي لا تنطلق، ولم تنطلق ايام المحنة مع كامل محبتي واعتزازي بالقوات المسلحة والقادة العسكريين المخلصين الذين يحترمون شرفهم العسكري ويرفضون اي موقف ذليل يمس كراماتهم وتاريخهم المجيد في شتى المناسبات بدءاً من القتال في فلسطين عام 1948 وانتفاضة عام 1941 وانتصار ثورة 14 تموز، وآلاف الضحايا الذين لم يخضعوا للدكتاتورية وحساباتها الباط?ة ومواقفها غير المدروسة التي حملت الوطن ملايين الضحايا واختفاء المليارات التي كان منتظرا لها ان تقوم باعمار البلد ومكافحة البطالة، وتعزيز الزراعة وتنشيط الحركة الصناعية وخلق اجواء نظيفة تضمن للمواطن العراقي اللقمة الشريفة والحرية والكرامة ورياض الاطفال والمؤسسات الصحية وتكريم الابداع في كافة الحقول: السياسية والثقافية والطبية والعلم وشتى الاهداف التي تتباهى بها الشعوب وتزهو بما فعلته من اجلها.
لقد تحمل الشعب اخطاء الساسة ونزوات الفراعنة، من اصغر فرعون الى اكبر دكتاتور من اصغر رئيس دائرة الى من رفعت الطائفية والعشائرية من شأنهم في غفلة من الزمن. لقد كثرت الصيحات والتعاطف مع النازحين وهنالك عدد كبير ممن يمتلكون قدراً كبيراً من الشهامة واحترام الوطن والتعاطف مع المصائب، إلا ان (اثرياء) البلد الذين جمعوا ثرواتهم الخيالية من المقاولات الوهمية وغير الوهمية، ومن المتاجرة بأرزاق الناس وطعامهم وخبزهم ومن السرقات (التجارية) التي تحميها بعض دوائر الدولة لمصلحة فئات معروفة اضافة لاستغلال المصارف والأهلية بش?ل خاص لمدخرات المواطنين وتوزيعها بين اصحاب الشأن والنفوذ. ان هؤلاء الاثرياء مطالبون بالبذل والعطاء وبصورة حقيقية تنسجم مع واقع الحال والثراء الفاحش الذي ينعمون به. وعلى سبيل المثال اعضاء غرف التجارة والمرتبات المتقدمة تحت الرموز (أ، ب). اقول ان على غرفة التجارة يجب ان تصدر بياناً بالتبرعات المطلوبة على ان لا يقل المبلغ الذي يتبرع به الصنف (أ) عن خمسة ملايين دينار، لكل عضو وهو مبلغ زهيد بالنسبة لهم. وكذلك الاصناف الاخرى مع مراعاة المواقع التي يتوقفون عندها على ان يكون ذلك ضمن تجديد الهوية التجارية والا فسوف?يرغم المماطلون على الدفع لانه واجب وطني وانساني. وهنالك المصارف الاهلية التي تصاعدت ارباحها الى المليارات، لا بد ان تتبرع بمبالغ تشكل نسبة من رأسمالها، وكذلك الذين ينتمون للقطاع الصناعي واكثر من ذلك، فلو تبرع الموظفون الذين يعدون باكثر من ثلاثة ملايين بمبلغ عشرة آلاف دينار من رواتبهم الا يساهم ذلك في التخفيف من المحنة التي يعاني منها للنازحون ويشد السواعد الى بعضها.. وتنبض القلوب بالمحبة والوفاء والتضحية.
ان الظروف التي نعاني منها ترغمنا على ان نساهم ونؤكد لابناء شعبنا باننا لن نبخل عليهم وهو واجب وطني وانساني بعيداً عن المزايدات الكلامية.
اننا امام امتحان عسير يمد جذوره في اعماقنا وتاريخنا وكرامتنا وتماسكنا امام المحنة ودليل على اننا فعلاً شعب واحد، لن نتراجع ولن نتقهقر ولن نحني رقابنا للضلالة والتخلف والعودة الى الوراء بمئات السنين.
انها دعوة، اتمنى ان تلبي ندائها غرفة تجارة بغداد واتحاد الصناعات والمصارف الاهلية واصحاب المعامل وكل غيور قادر على التبرع والمساهمة في هذه الحملة الانسانية والصرخات التي تموت على صخور الجبال والمتاهات في سنجار وتلعفر وكافة الاماكن التي غادرها اهلها حفاظاً على حياتهم وشرفهم.