المنبرالحر

نزوح غير مسبوق / قيس قاسم العجرش

مليون ونصف المليون من النازحين تركوا ديارهم خلال شهرين فقط. والرقم هائل حتى بالمقاييس العراقية التي شهدت نزوح مليون نازح سابقاً منذ عام 2003 ، فضلاً عن أعداد المهاجرين الذين خرجوا من العراق والذين تقدر الأمم المتحدة عددهم بأكثر من مليون مهاجر، ومثلهم ينتظر دوره أمام مكاتبها في دول الجوار.
البلد يتغير حتى في شكله وأماكن عيش سكانه، وهذه التغييرات لو كانت قد جرت على مدى عقود كانت ستحمل آثاراً إجتماعية لا تمحى، فما بالنا وقد جرت خلال أيام فقط؟!
الأسوأ هو أن النزوح حدث على أسس عرقية وأثنية ودينية. يعني هو لا يشبه على سبيل المثال الهجرة المليونية من كردستان إبان 1991 حين نزح معظم سكان الاقليم بكل طوائفهم واديانهم وقومياتهم هربا من هجوم قوات صدام حسين. الآن يجري فصل دقيق في التهجير على أساس عرقي وقومي وديني، يجعل من لم يشملهم النزوح مقتنعين بادعاء الإرهاب أنه يقدم لهم الحماية.
مثال ذلك نزوح سكان بعض القرى العربية شمال الموصل الى داخلها مع بدء العمليات العسكرية لمقاتلة إرهابيي»داعش». وهو أمر لم يسبق أن حدث لهذه القرى على الإطلاق وفي اي زمن مضى.
لم تكن الموصل ونواحيها بمكان آمن للايزيدين والمسيحيين و التركمان وغيرهم من باقي الأطياف حتى قبل حزيران الماضي، إنما كان هناك نوع من الفصل والتعايش الحذر جداً والقبول بمبدأ ملازمة المناطق الاثنية لكل مجموعة. فيعرف الآشوري أو التركماني أو الشبكي او الأيزيدي أين يمر وأين يُسمح له بالدخول الآمن، رغم أن الجميع عراقيون! لكن هناك من أقنع عوام هذه الجماعات بأن (الآخر) إنما يستهدفكم بالقتل ولا يقبل بوجودكم.
هذه كلها نُسِفـت بعد حزيران الماضي، وهيأت «داعش» الذهنية بأنها تقبل بوجود خالص للعراقين من العرب السنة فقط. وهذا هو الزّيف بعينه.
العوائل العراقية من العرب السنة تهيأ لها الآن أن نزوحها الى الموصل (أكثر أمناً) لها مع بدء العمليات العسكرية. هذا يعني أن هذه العوائل التي سبق أن تعايشت سلمياً مع الاثنيات المحيطة بها لعقود، صارت تخشى الآن الإنتقام فهربت الى مكان تحكمه مقاصل وسيوف الإرهابي ابو بكر البغدادي، فقط لأن «داعش» هيأت الذهنية بأنها تقبل العرب السنة فقط!
هذه هي المعركة الموازية لمعركة قتال داعش وقطعانها: كيف نطمئن سكان نواحي الموصل وحتى أهل المدينة نفسها بأنه لن يكون هناك انتقام بعد اندحار الإرهاب؟
الطمـأنينة شجرة معمرة، وجب زراعتها مبكراً جداً والتأني في رعايتها في كل الفصول.