المنبرالحر

لا لعودة غير آمنة / ناظم ختاري

أدت حملة داعش على سنجار وبقية مناطق سهل نينوى إلى إفراغها تماما من ساكنيها من الأيزديين والمسيحيين والشبك، وكان الأيزيديون أكثرهم تضررا بسبب طبيعة المعركة التي دارت هناك في سنجار، حيث انسحبت منذ اللحظات الأولى قوة حمايتها المتكونة بشكل خاص من البيشه ركه، علاوة على قوى الأمن والأسايش والمقرات الحزبية دون خوض أية معركة تذكر أو حتى اطلاق رصاصة واحدة باتجاه العدو، وتركت أهالي سنجار العزل تحت رحمة المرتزقة الذين فتكوا بالمئات منهم بشراسة قل نظيرها وخطفوا المئات من نسائهم وشردوا من تبقى منهم عن بكرة أبيهم وحاصروا الآلاف منهم في جبلها ، حيث مات منهم العديد من الأطفال وكبار السن بعد معاناة غير مسبوقة بسبب انعدام الطعام والشراب وإصابتهم بأمراض مختلفة، ووصل من تبقى منهم وهم الغالبية بمساعدة مقاتلين كورد من سوريا والقوة الجوية العراقية وعبر طرق وأساليب مدهشة ومحفوفة بكل خطوة منها بمخاطر الموت الحقيقي، إلى المناطق الآمنة في محافظة دهوك وأربيل وإلى داخل الحدود التركية .
مأساة الأيزيدية في جبل سنجار ومشاهد ذبحهم وسبي نسائهم وموت أطفالهم وشيوخهم وتدمير بيوتهم ومقدساتهم وهجرة من تبقى منهم من قرى وبلدات شيخان وتلكيف وبعشيقة وغيرها، أيقظت الضمير العالمي الغربي ماعدا العربي بما فيه القسم الأعظم من الضمير العراقي الذي لم يحرك ساكنا، بل كان شامتا في أحيان ما ومحرضا للمزيد من قتل هؤلاء العزل في أحيان أخرى للأسف الشديد .
على أية حال ، فإن هذه الأهوال والتوغل في المزيد من الجريمة من قبل مرتزقة داعش حشدت الرأي العالمي إلى حد مناسب، وذكرته بمدى خطورة هذا التنظيم المتوحش، الأمر الذي دفع بأمريكا والعديد من الدول الغربية إلى تقديم بعض شروط الإنقاذ وليس كلها، وتقديم مساعدات عينية جديرة للمساهمة في تخفيف معاناة النازحين لو جرى تقديمها لهم دون عمليات فساد أو سرقة كبيرة .
وجراء هذا الموقف الأممي أصبحت حكومة الإقليم هي الرابح الأكبر بعد هذه الفاجعة وبعد حصولها على سلاح لم تكن تحلم به من مختلف دول الغرب، فضلا عن دعم الولايات المتحدة الأمريكية بجهدها الجوي في العمليات القتالية ضد أوكار داعش وإيقاف تقدمها ومن ثم تقهقرها، وهناك تقديرات تشير إلى إمكانية تحويل هذا الجهد إلى إنزال جنود على الأرض للمشاركة بشكل مباشر في العمليات القتالية .
بطبيعة الحال يصل هذا السلاح إلى الحكومة الكوردستانية لأسباب سياسية تتعلق بطبيعة إدارة الحكم في العراق، فضلا عن هدف تمكينها على حماية الأقليات المستهدفة أي الأيزيديون والمسيحيون والشبك من قبل داعش ، مع وجود الكثير من الآراء تشير إلى أن كل ما حدث ويحدث كان لأجل هذا السلاح ، أي مقايضة دم أبناء سنجار ودم أبناء بقية مناطق الأيزيديين وممتلكاتهم وكرامتهم وشرفهم بذلك السلاح الذي وصل وسيصل تباعا إلى كوردستان.
ولكن السؤال هنا بعد وصول هذا السلاح، هل وصل الأمان إلى ديار الأقليات .. إلى الأزيديين والمسيحيين والشبك ..؟ هل سيستخدم هذا السلاح من أجل حمايتهم، وبذلك سيكونون في مأمن من حملات داعش وغيرها من القوى المتطرفة وحتى من جيرانهم الذين فضلوا السير على سكة خيانة الجار ..؟ وأخيرا هل هذه الإجراءات الدولية والكوردية هي ما يطالب بها أبناء الأقليات بعد هذه الكارثة المفزعة ..؟
أعتقد جازما إن كل ذلك لن يحصل دون اتخاذ إجراءات أكثر عملية وقادرة على إعادة ثقة الفرد الأيزيدي و أبناء الأقليات الأخرى بالبقاء في سنجار أو تلكيف والشيخان وبعشيقة والحمدانية وبرطلة وحتى القرى والبلدات التابعة إلى دهوك بعد كل الذي جرى ، فأرى إن الادعاء بعدم وجود أسلحة قادرة في حوزة البيشمه ركه تؤهلها على مواجهة قوى داعش الغاشمة، غير قابلة على الصمود كثيرا أمام استعراض قواتها والأسلحة التي كانت تمتلكها وتعرضها في العديد من المناسبات، وأمام التصريحات الحماسية الواثقة التي كان يطلقها قادة الإقليم أيضا في العديد من المناسبات، وأمام صمود السنجاريين بأسلحة بسيطة في جبلهم الأشم بعد الفاجعة ، ومعارك قوات YPG الدفاعية عن المحاصرين وفتح ممرات آمنة بأسلحة خفيفة ... وهنا يمكننا أن نطرح سؤالا.. لماذا لم يجر زج هذا السلاح وهذه التصريحات ولو لمشاغلة قوات داعش أثناء هجومها على سنجار كي يستطيع مواطنوها من الهروب أمام زحفها لتجنب تلك الخسائر الرهيبة التي تفطرت لها قلوب الملايين من البشر على كوكبنا ..؟
وأرى كذلك إن دعوة مواطني سهل نينوى للعودة إلى منازلهم بعد هذا الموقف الذي لما يزل يشوبه الكثير من الغموض وعدم استخدام السلاح المتيسر للدفاع عنهم أو حتى تسليحهم للتخفيف من الكارثة ، فضلا عن استمرار بقاء نفس الخطر ومن نفس المنشأ وإمكانية تحوله إلى إقليم متاخم لحدود بلداتهم وإشراكه بما يسمى بالعملية السياسية في العراق بوجوه قبيحة تمثل الهمج الذين مارسوا تلك الجرائم والعشائر العربية التي شاركتهم تلكم عمليات القتل والذبح .. أرى إنها دعوة غير قائمة على دعائم آمنة بالنسبة لهم ولا يثق بها أي فرد أيزيدي أو مسيحي أو شبكي ولن تكون عودتهم إلا اضطرارا ، لأن أسباب قطع رؤوسهم واغتصاب نسايهم وأسلمتهم وتدمير بيوتهم وأسباب المقايضات والمساومات حول مصيرهم لازالت قائمة .
ولذلك فمن المهم وبعد تراجع قوات داعش وإعادة تنظيم قوات البيشمه ركه والتنسيق مع القوات المسلحة العراقية والمشاركة الفعالة لسلاح الجو الأمريكي وارتفاع المزيد من الأصوات في العالم لتحشيد القوى والتصدي لهذه البربرية، و بعد تبدد الأمل الذي كان يراود الغالبية العظمى من أبناء الديانة الأيزيدية والمسيحية بتحقيق هجرة جماعية لهم .. فإن عودة غالبيتهم إلى منازلهم أصبح الخيار الوحيد المتاح أمامهم .. وما عليهم في هذه المرة إلا أن يتوحدوا من أجل أن تصاحب هذه العودة المطالبات التالية .
1- المطالبة الجادة بوضع حد نهائي للمخاطر الناجمة من قوى داعش الشريرة وذلك من خلال العمل على اقتلاع جذورها وتجفيف منابعها ومنعها من إبادة الأقليات .. ليس فقط في العراق بل في المنطقة كلها عبر اتخاذ إجراءات دولية رادعة وأخرى عربية وإسلامية وفي مختلف المستويات والاتجاهات وأخرى وطنية على مستويات شاملة وفي مقدمتها الشروع ببناء دولة المواطنة وتوديع المحاصصة الطائفية والعرقية ومشروع الدولة الدينية .. فكما لهذه الأقليات أصدقاء في العراق وكوردستان من أجل تحقيق هذا الهدف ، فلها أصدقاء أكثر في العالم لأسباب إنسانية ولأسباب خطورة "داعش" التي أصبحت تهدد المناطق الأمنة في العالم ، وهي تسعى بكل قوة للمزيد من التمدد على ارض واسعة وتهدد الشعوب الآمنة بالخضوع لإرادتها البربرية ، وما التصريحات الصادرة من قبل المسؤولين الفرنسيين وردود الفعل الصادرة من الإدارة الأمريكية بعد ذبح أحد مواطنيها الصحفيين جيمس فولي وتصريحات رئيس الوزراء البريطاني وغيرها في اليومين الأخيرين إلا دليلا واضحا على ما تشكله هذه القوى الإرهابية من خطر داهم على العالم كله ، وتوصلهم إلى قناعة راسخة بضرورة التصدي الدولي لهذا السرطان .
2- المطالبة الجادة من أجل إقامة منطقة آمنة وإدارة ذاتية برعاية الأمم المتحدة للأقليات الأيزيدية والمسيحية والشبك في سهل نينوى، باعتبارها معرضة إلى الإبادة الجماعية والأحداث الأخيرة وخصوصا في سنجار تشهد على ذلك، وإن الحكومتين المركزية والإقليم غير قادرتين على حمايتها، بسبب طبيعة القوى التي تستهدفهم والتي تمارس إرهابها على وفق قناعات دينية تستند على قاعدة اجتماعية واسعة في البلاد وسهلة الانقياد لارتكاب الجريمة حتى بغياب داعش، فضلا عن إنها أي هذه المنظمة الإرهابية أصبحت تشكل تهديد حقيقيا للأمن والاستقرار العالميين .. ومن هنا فإنه يتعين على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي العمل الجاد لحماية هذه الأقليات وفق قواعد وقوانين التدخل الإنساني لحماية الأقليات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة.