المنبرالحر

لماذا تضعون العربة قبل الحصان؟ / مرتضى عبد الحميد

استبشر العراقيون خيراً، بالسهولة النسبية التي تمت بها تسمية الرئاسات الثلاث، رغم أنها اعتمدت هذه المرة أيضا، مبدأ المحاصصة سيء الصيت، ولذلك وجد التفاؤل الحذر طريقه إلى قلوبهم وعقولهم، واعتلى الأمل من جديد صهوة الحزن والانكسار.
لقد تصوروا أن مسافة الألف ميل التي يتعين على الشعب العراقي قطعها قبل الوصول إلى شاطئ السلامة، وبناء العراق الديمقراطي الاتحادي المزدهر، ربما بدأت فعلا، وان الفرقاء السياسيين انتبهوا إلى حجم المخاطر التي تحيط بالعراق وشعبه من الجهات الأربع، الأمر الذي سيفضي إلى استبدال التعنت والتخندق الطائفي والقومي، والتلاعب بالدستور، بشيء آخر يختلف تماما عما جرى ممارسته في السنوات العجاف الماضيات.
وكان المؤمل والمرتجى أن تتوحد رؤى وجهود وطاقات المتنفذين، بعد زوال خطر الولاية الثالثة، وتكليف رئيس وزراء جديد، أعرب الجميع عن تأييده، ووعدوا بتسهيل مهمته في تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تستثني أحدا، لان سفينة العراق مهددة بالغرق. وقد غرقت أجزاء منها بالفعل في بحر «داعش» والمنظمات الإرهابية الأخرى، لكن حكامنا ومتنفذي سلطتنا، لديهم رأي آخر على ما يبدو، فليس من السهل عليهم التخلي عن المكاسب والامتيازات وبالتالي عن لغة الاملاءات والشروط التعجيزية التي يطرحونها قبل المشاركة في الحكومة العتيدة القادمة ( من شبّ على شيء شاب عليه)، واضعين بذلك عراقيل وعقبات أمام الوزارة الجديدة، وأمام المكلف بتشكيلها شخصيا، وعوا ذلك أم لم يعوه.
في كل بلدان العالم المتقدمة منها والمتخلفة، تتوحد جهود وطاقات الجميع ، وتقدم التنازلات من الجميع، عندما يكون الوطن في خطر، أو على وشك أن تحل به كارثة، سواء كانت هذه الكارثة طبيعية، أم سياسية، أم اجتماعية، وتشكل على وجه السرعة حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ وطني لدرئها، أو لمعالجة آثارها وتداعياتها السلبية. وهنا ايضاً يشذ العراق، حيث لا تكفي متنفذيه الكارثة التي نعيشها اليوم، لكي يوحدوا جهودهم وطاقاتهم، ويسرعوا في تشكيل حكومة وحدة وطنية تساهم فيها كل القوى الحريصة على استمرار العملية السياسية، وتلافي نواقصها وأخطائها الكثيرة، والتصدي بسرعة وحزم للسرطان الذي يفتك بالجسد العراقي. بدلاً من ذلك تراهم يتشبثون بقائمة مطالبهم، ويضيفون إليها كل يوم مطالب جديدة، بينما المطلوب منهم إن كانوا صادقين مع أنفسهم، ومع شعبهم، إن يركزوا على الثوابت الوطنية والتوجهات العامة، والانتهاء من تشكيل الحكومة ضمن المدة الدستورية المحددة، وبعد ذلك يمكن الحوار والاتفاق على التفاصيل والمطالب المختلفة.
أيها السادة، لا تضعوا العربة قبل الحصان من الآن، لان الوطن يحترق والشعب يذبح من الوريد إلى الوريد، فلا تخيبوا أمل الشعب بكم مجدداً!