المنبرالحر

صور العنف والحب في ذاكرة أطفالنا / محمد موزان الجعيفري

في مساء احد الايام دخلت طفلتي التي تبلغ العاشرة من العمر في حالة فزع قائلة وهي تنظر في النافذة ... ( مصيبة ) !! ، سيحدث انفجار ، قالت ذلك مع غروب الشمس. بسبب صدمتها اثر وقوع انفجار في منطقتنا السكنية خلال المساء ، اخذت طفلتي تربط بين غروب الشمس ووقوع الانفجار معتقدة ان كل مساء سيحدث فيه انفجار. طمأنتها بان ليس كل مساء يأتي بالنار بالضرورة فثمة مساءات تنعم وتنغم بالهدوء !!
وذات مرة قصصت عليها حكاية وجدتها في مجلة الاطفال وكانت ذات منحى توجيهي قلت لها بكلمات بسيطة ( كان هناك طفل يعبر الشارع من غير ان ينظر الى جانبي الطريق تحسبا لسيارة قد تكون قادمة ، مرت سيارة فصرخ به السائق ان ينتبه ثم عبر الطفل بسلام ) وبعد انتهائي طلبت منها اعادة سرد القصة كما حكيتها لها فقالت ( كان هناك طفل يعبر الشارع ( اجو ناس وضربوه طلقه ) ، لم تسرد لي طفلتي و لا مرة الحكاية كما سردتها لها...
ان المتأمل للصور المأساوية التي تخزنها ذاكرة الاطفال ممن اعتادوا على سماع الانفجارات وشهدوا اصوات العنف وسمعوا احاديثا يومية عنها في البيوت و المدارس و نشرات الاخبار فتلقفوا منها تلك مفردات ، مفخخة ، ناسفة ، قتل وحفظتها ذاكرتهم مع انهم كائنات طرية تحفظ و لا تنسى وقلوبهم زجاجية شفافة تنكسر بسرعة مع اقل ضربة، يدرك التبعات الجسدية والنفسية التي تخلفها تلك الصور فيهم على المديين القريب والبعيد كاضطراب الشخصية والنزعة العدوانية و العنفية في الشخصية والتشاؤم والعزلة والحزن وتراجع المستوى الدراسي وضعف العلاقات ال?جتماعية و اللا مبالاة وغياب الشعور بجدوى الحياة و الاصابة بالامراض النفسية ثم الجسدية.
لذلك هذه الحالة الصعبة تضع الاهل امام مسؤولية كبيرة لخلق اجواء من الحب و الطمأنينة والثقة حول الطفل وملاحظة افكاره وتخيلاته الناجمة عن العنف ومعالجتها بهدوء ، فكثير من الحب الغامر يمكن ان يزيح كثير من الخوف لديه كما ان الحضن الدافىء يوفر للطفل الشعور بالامان .
ويتطلب من المؤسسات التعليمية و وسائل الاعلام الاهتمام الجاد، فالمدرسة مطالبة بدروس وتوجيهات مضادة للحرب والعنف، والمعلم او المعلمة يمكن لهما اتباع اسلوب المحبة والحنان في التعامل مع التلاميذ و ارشادهم والابتعاد عن العقاب اليومي والضرب، والفضائيات مطالبة ببرامج تشذب ذاكرة الطفل من اثار العنف بترسيخ مفاهيم انسانية عالية عبر برامج تحاكي الطفولة ومجالها .
ومن المطلوب تضافر الجهود بالنسبة للاطراف المعنية جميعها لمسح ذاكرة العنف لدى الاطفال بمناديل المحبة والمرح كي يزيلوا منها ما علق بها من شوائب العنف الذي اصاب الجسد العراقي ولكي لا تتزعزع دواخلهم ويرتكبون في المستقبل حماقات الكبار .