المنبرالحر

جيران العراق .. تجارة مفتوحة وسياسة مغلقة / علي فهد ياسين

لم يتعرض بلد في العالم على مر تأريخه الماضي والحديث مثلما تعرض له العراق ولازال من جيرانه ، فقد ناصبوه العداء فرادا ومثنى ومجتمعين في توقيتات معروفة تأريخياً ، لعل أخطرها ما أجمعوا عليه الآن ، رغم انقسامهم المعلن الى فريقين ، لكنهما فضلا الساحة العراقية ملعباً لأخطر انواع الصراع ( الصراع الطائفي )، منذ سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان 2003 .
في كل جولة من جولات ( الأذى ) الذي تستهدف حياة العراقيين ، كانوا ولازالوا يدفعون أثمانها من دماء الابرياء من ابنائهم ، دون محاسبة المتسببين في ذلك ، مع أن الدلائل في كل مرة تشير الى الفاعلين بما لا يقبل الشك ، ليس في اذهان العراقيين فقط ، انما في اذهان غيرهم من عرب واجانب ايضاً ، وزيادة على ذلك يجني المعتدون ( الجيران ) في كل مرة مكاسباً سياسية واقتصادية تفوق ما كانوا مخططين له في عدوانهم ، مما يشجعهم على الاستمرار في مسلسل العداء مع اطراف اخرى ساندة ومستفيدة ، ليبقى العراق وشعبه ضحية الجميع .
لقد أصبح ( اللعب السياسي ) لدول الجوار العراقي مكشوفاً للجميع ، ولم تعد صفقات الدهاليز ضرورة للتغطية ، فقد وصلت الامور الى العداء المعلن بين تلك الدول وبين جهة سياسية بعينها ليكون مبررا لدعم جهة اخرى ، وصولاً الى استمرار الصراعات السياسية الخادمة لأجندات الجيران في بقاء العراق ضعيفاً ومعتمداً عليها في ادارة ملفاته ، وأهمها الملفين الامني والاقتصادي الموفرين لتلك الدول المليارات من الدولارات سنوياً ، فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه لسنوات قادمة ، وهي منافع لن تجدها بهذه السهولة في اي نشاط اقتصادي في مكان آخر ، اضافة الى أن اعاقة تعافي العراق واستقراره وحدها الكفيلة في تأخير استثمار ثرواته النفطية الهائلة ، التي ستزاحم الآخرين المهيمنين على السوق النفطية منذ الحرب العراقية الايرانية في مطلع ثمانينات القرن الماضي .
ان الانقسام السياسي الذي ساهمت في تغذية فصوله دول الجوار خدمة لمصالحها ، وضعف مناهج الاحزاب التي تصدرت المشهد السياسي خلال العقد الماضي ومازالت ، ادى الى الاستمرار في نفس السياسات الخاطئة التي اعتمدها النظام السابق في ادارة الدولة حين اعتمد ( الولاء الحزبي والشخصي ) في اختيار الاشخاص في مواقع المسؤولية ، على حساب الكفاءة والمهنية التي تتطلبها تلك المواقع ، مما وفر المناخ الملائم للفساد بكل اشكاله وتفصيلاته ، ليكون الحاضن الاكبر لأنشطة الخراب التي اعتمدتها دول الجوار منافذاً لتسويق بضاعتها السياسية والاقتصادية على حساب العراقيين ، ليكون الجهاز الحكومي بفرعيه الرسمي والحزبي هو المستفيد الاكبر من الصفقات المبرمة مع شركات دول الجوار على حساب الاقتصاد العراقي الذي شلت اذرعه الانتاجية ، لأسباب معروفة يتحمل مسؤوليتها المتنفذون واصحاب القرار .
مع كل هذه النتائج الكارثية للتدخل السلبي لدول الجوار في الشأن السياسي العراقي ، نجد ان الساحة العراقية مفتوحة على مصاريعها للتجارة احادية الجانب مع هذه الدول ، ففي الوقت الذي يتم اغراق الاسواق العراقية ببضائع غير خاضعة للسيطرة النوعية ومعفاة من التعرفة الكمركية ، لا يقابلها اي نشاط تجاري عراقي معادل لهذا النزيف الهائل من ثروات العراقيين ، ناهيك عن خطورة بعضها على الصحة العامة ، خاصةً في مجالات الاغذية والادوية منتهية الصلاحية التي كشفت بعض شحناتها المسببة للأمراض ، دون ان تتعرض الجهات المصدرة والمستوردة لها الى العقوبات ، لأن حيتان التجارة مع هذه الدول هم اطراف السلطات السياسية واذرعهم التجارية التي اسسوها خلال السنوات الماضية .
ان المعادلة السياسية الاقتصادية التي تعبر عن علاقات العراق بدول جواره ليست متوازنة اطلاقاً، ولو كانت هذه الدول مساهمة ايجاباً في استقرار العراق الامني والسياسي ، لكانت التجارة معها تحصيل حاصل، لكن ادوارها السياسية الداعمة للفوضى وللإرهاب المتسبب في مآسي العراقيين ، يجب ان تكون هي الفيصل في الملف الاقتصادي معها ومع غيرها من البلدان ، وهذا لم يتحقق خلال العشرة اعوام الماضية من ادارة حكومات متعاقبة ، ولن يتحقق في ظل الحكومة القادمة، اذا اعتمدت نفس المنهج السابق في الفصل بين السياسة والاقتصاد في علاقاتها مع دول الجوار، التي لم تبدل مناهجها السياسية المغلقة مع العراق ، رغم تجارتها المفتوحة والمتصاعدة بمليارات الدولارات ، لتصدير سلعها الرديئة للعراقيين وفي مقدمتها الارهاب وادواته القاتلة للحياة ، لذلك من المفيد والمهم التذكير بضرورة مراجعة الاتفاقيات التجارية مع دول الجوار على ضوء مواقفها السياسية ، اضافة للإسراع بإصدار القوانين الاقتصادية الفاعلة ، وخاصة قانون التعرفة الكمركية المركون على رفوف مجلس النواب العراقي منذ سنوات .