المنبرالحر

لَبنَنة.. أم عَرقَنة ؟ / مازن العاني

بعد تفجر الحرب الاهلية في لبنان الشقيق و استمرار لهيبها من نيسان 1975 حتى نهاية 1990 شاعت تسمية" اللبننة" واصبحت تطلق على الصدامات الاهلية الداخلية، عرقية كانت ام طائفية، في أي من بلدان المنطقة .
و شاءت الاقدار بعد ثلاثين عاما من اندلاع تلك الحرب المشؤومة ان نضطر نحن في العراق في بداية الامر، الى التذكير و التحذير، من مخاطر لبننة العراق، و حين وقع المحذور و اندلعت الحرب الطائفية عندنا، بدأنا نندب حظنا العاثر لان بلادنا دخلت في اللبننة بأبشع صورها ، حتى بات الاشقاء اللبنانيون في السنوات الاخيرة يحذرون ابناء جلدتهم من مغبة عرقنة الاوضاع في لبنان...!
واثر ثورات "الربيع العربي" ، وتحرك قوى الردة لاغتصاب الانتصارات المتحققة، تفجر الاقتتال الاهلي الداخلي في بلدان عربية عدة. حينها تسيد التحذير من العرقنة مشهد الجدل السياسي و الاعلامي ومايزال.
و مع ذلك بقينا نحن الحالمين بعراق ديقراطي اتحادي متشبثين باذيال الامل، نتباهى امام الاشقاء اللبنانيين بان طائفيتهم مشرعنة دستوريا، في حين ان طائفيتنا طارئة حال الكثير من سياسيينا، وهي بضاعة فاسدة مسوقة للمجتمع من هؤلاء ومن جهات خارجية مشبوهة، اكثر مما هي وباء اجتماعي- ثقافي متوطن بين ظهرانينا.
طيلة تلك الفترة كنا نمني النفس بان آفة الطائفية متفشية في ثنايا الطبقة السياسية الحاكمة اكثر مما هي غائرة عميقا بين فئات و طبقات المجتمع، لكن يبدو لنا اليوم ان الامر اعقد و اشد التباسا مما نتوقعه و نتمناه.
حين اجتاحت عصابات داعش مناطق ومدناً عدة في البلاد، واشاعت القتل و السبي والخراب بين سكانها، دون ان تستثني او توفر احدأ منهم ، نقل لنا الاعلام مشاهد لضحايا تلك الجرائم من النازحين والفارين والمحاصرين، وهم يعبرون عن وجعهم ومعاناتهم الانسانية، ولم يتردد بعضهم من الشكوى مما يعتبره عدم اهتمام الاخرين، سواء كانوا جهات حكومية او سياسية، داخلية واجنبية، لما لحق بابناء طائفته او دينه او قوميته مقارنة بالاهتمام الذي حضي به الاخرون من ضحايا جرائم داعش....!
لا يمكن الا ان نتعاطف مع حزن هؤلاء وألمهم، وعلينا ادراك أن شعورهم الخاطيء بان الاخرين مميزين عنهم هو حصيلة سياسات ساهمت الى حد بعيد في تغييب المعايير الوطنية الموحدة، حين ادخلتنا في دوامة الحديث عن "تهميشنا، واقصائنا، ومظلوميتنا، وحقوقنا...". سياسات وسياسيون أوصلونا الى حال ماعاد المواطنون يحسون فيه ان هناك منظومة فكرية واضحة ومسموعة تدافع عن الجميع و بالتساوي و بقوة وحزم، أو يتلمسون وجود نظرة وطنية وانسانية قادرة على استيعاب الوان كل هذا الطيف الواسع. ماعاد العراقيون يشعرون ان هناك دولة قادرة على ترتيب حقوق لهم وتدفع الاذى عنهم. كل ما يجدوه دولة فاشلة تتميز بسوء الادارة وشيوع الفساد والصراع على المكاسب والمغانم.
انها حالة من ضعف الشعور بالانتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة موحدة.