المنبرالحر

ثلاثون يوما في المنطقة الخضراء/ د.محمود القبطان

لأول مرة ومنذ أكثر من 26 عاما تسنى ليّ أن أقضي ثلاثين يوما في المنطقة الخضراء.

الخضار وأشجار ألجوز المثقلة بثمارها وبعض من بقايا ثمار أشجار مثمرة عشت مع الجو النظيف والهواء الطلق، والغريب إن هناك أكثر من مسؤول في الدولة بدون حمايات ,رأيت بيت رئيس الوزراء في منطقة خضراء أخرى يتواجد شرطي في بداية الشارع وآخر في نهايته.استغربت في بادئ الأمر,لكن استغرابي تبدد حين علمت من صديق انه في أمان مع إنه غير محبوب لدى الكثيرين من شعبه. فيلل وبيوت جديدة وقديمة (نسبيا) استقرت على أبوابها الكاميرات أو الكودات خوفا من السرقة , حيث لم تكن في أيام النظام السابق, بعض الكلاب تنبح لكن الهدوء هو سيد الموقف لكن ليس هناك جدران كونكريتية.

قررت أن أبدأ بفترة المشي السريع يوميا تقريبا ماعدا ألأيام الممطرة وأن أسير أكثر من 50 دقيقة في كل مرة، حينها كنت أشعر براحة مع الهواء النقي الذي يختلف عن الضفة الأخرى حيث يتعالى الدخان والازدحامات المرورية وكثرة المارة لكن مع هذا كنت أذهب للضفة الأخرى عصرا للنزهة أيضا وأجلس بجانب البرلمان دون أن يسألني أحد ماذ أفعل مع كل هذه الأجواء الجميلة ليلا. كنت قد حسمت أمري أن أسافر الى مدن أخرى للمقارنة مع مدن أخرى ومن ثم للتعرف عليها لا سيما تلك المدن التي لم أزورها منذ فترة طويلة.الهدوء والخضار والأشجار الباسقة والورود الجميلة والبيوت العامرة وزيادة ملحوظة في عدد السياح ومن ثم تواجد بعض المحلات الصغيرة لبيع ما يشد السائح من دلالات على المدينة بأشكال مختلفة. في 4 أيلول يكون قد قضيت ثلاثين يوما في أجمل المناطق من المدينة وهي المدينة الخضراء. هذا ليس حلم ولا خيال.

لكن...هناك أمر لا بد من البوح به وهو أن أيامي في المدينة الخضراء ليست في بغداد والعياذ بالله وإنما في الحي الثاني من العاصمة المجرية التي أعشقها في جهة بودا حيث تكون هذه الضفة والتي يمكن تشبيهها مع بغداد من حيث التقسيم وليس غير، دجلة (الدانوب) يمر في المدينة ويشقها الى الكرخ(بودا) والرصافة(بشت) .

كنت قد تُرِكّت المجر (مجبرا، بكلمة مُخففة) قبل أكثر من 26 عاما متوجها الى السويد البارد وكنت باستمرار أزور هذه المدينة لكن لم أقض فيها أكثر من عشرة أيام أو أقل من ذلك في كل زيارة ,ولكن بعد أحالة نفسي على التقاعد "عمريا "جئت الى مدينتي الجميلة لأقضي شهرا كاملا للراحة والتخفيف عن الضغط أثناء العمل.سوف لن أنقطع عن هذه المدينة لكنني لا أعلم متى آتي إليها ثانية لأنني أتهيأ الى سفرة العمر الجديدة والتي لطالما انتظرتها طويلا.فهل انجح؟ .

كنت أسأل نفسي دوما خلال ال30 يوما في بودابست ومدن أخرى لماذا لا يعيش العراقي كباقي الشعوب بأمان وسلام؟ لماذا يُحرم العراقي من السفر الى بلدان العالم الأخرى؟ هل يعلم الساسة الحكام في العراق لماذا تسافر أعدادا كبيرة من العراقيين الى جورجيا من الإقليم ومن بغداد يوميا؟ (كنت في سفرة الى جورجيا وساحلها باتومي العام الماضي) وكيف يتصرفون في الشارع والبيوت التي يستأجرونها.هل يعلمون ماذا يريد الشباب لابل حتى كبار السن؟هل يفقهون ماذا سوف تولّد كل هذه "المحرمات" في يوم ما قادم؟ نعم هم يعلمون كل هذا لكنهم يضعون أكفهم على عيونهم لئلا يواجهوا الواقع الذي يعيشه العراقيين. لكن بحر الممنوعات سوف يجف مهما طال الزمن وترجع بغداد ومدن العراق الغناء الى زهوها بفنها وفنانيها ومثقفيها وبعلمائها وعلمها ومبدعيها ويعم السلام والأمان في ربوع العراق من أقصى شماله الى أقصى جنوبه وبدون نقاط تفتيش ولا حواجز وجدران كونكريتية هذا كله في دولة مدنية ديمقراطية. هذا اليوم قادم لا محال.