المنبرالحر

دور الشلل السياسي في عودة شلل الأطفال الى العراق ..!/ علي فهد ياسين

بعد أربعة عشر عاماً على خلو العراق من فايروس شلل الأطفال ، جاء تحذير منظمة الصحة العالمية والمؤسسات المعنية الساندة لها من خطورة عودة هذا الفايروس للتوطن في العراق ، على أثر الاعلان عن أصابتين في بغداد في شهر آيار الماضي ، بالتزامن مع ( 36 ) ست وثلاثين أصابة في سوريا ، تركزت في محافظة دير الزور المحاذية للعراق ، اضافة الى حلب والرقة ومناطق متفرقة أخرى ، نتيجة الحرب الطاحنة وتداعياتها على العراق والمنطقة .
في العام 1988 أُطلقت المبادرة العالمية لأستئصال شلل الاطفال على مستوى العالم ، وقد أُعلن في العام 2013 أنه لم يعد متوطناً الا في ثلاثة بلدان هي ( نيجيريا وباكستان وافغانستان ) ، فيما كان العراق خالياً منه منذ عام 2000 على الرغم من ظروف الحصار القاسي الذي كانت تخضع له البلاد ، لكن على ما يبدو أن الأصل في الانتصار على هذا المرض اللعين هو التزام المؤسسات الصحية بتنفيذ برامج التلقيح لعموم الاطفال المعرضين للاصابة به ( دون 5 سنوات ) ، بغض النظر عن قدراتها الاقتصادية لأن اللقاح المضاد له توفره المنظمة العالمية دون مقابل، ليس كرماً منها، انما لأن اية اصابة بالمرض تعني هناك امكانية لانتشاره السريع دون محددات الجغرافية التي قد تعرقل غيره من الامراض الخطيرة الاخرى .
لقد أجمع المختصون ( علماء وباحثون وأطباء ) في جميع أنخاء العالم ، على رأي واحد مفاده ( طالما يوجد طفل واحد مصاب بعدوى فيروس الشلل ، فأن الأطفال في جميع أنحاء العالم معرضون لخطر الأصابة بالمرض ) ، وهو خلاصة مرعبة للبشرية جمعاء اذا ما أضفنا لها حقيقة أن ( لا يوجد علاج لشلل الأطفال ولكن يمكن الوقاية منه بالتلقيح ) ، ولما كانت عملية التلقيح تعني الوصول لجميع الأطفال ( دون سن الخامسة ) من قبل فرق التلقيح أو وصولهم لمراكز التلقيح في المؤسسات الصحية ، فأن العائق الرئيسي الوحيد لتنفيذ ذلك هو تعرض المدنيين الى تداعيات الصراعات السياسية عندما تصل الى مستوى النزاعات المسلحة ، لأنها وحدها التي تمنع حصول الأطفال على التلقيح ضد هذا المرض الخطير .
أذا كانت اصابة واحدة تمثل خطورة لا يستهان بها في انتشار المرض برأي العلماء والمتخصصين ، فأننا أمام اصابتين في بغداد منذ شهر آيار الماضي ، ليس هذا فقط ، انما لازالت نتائج الصراعات السياسية التي يخوضها القادة المتنفذون في العراق تلقي بظلالها على حياة العراقيين منذ عشرة أعوام ، حتى وصلت الى ذروتها منذ اجتياح عصابات داعش الدموية لثلث مساحة البلاد ، مما تسبب في شل الحياة فيها وتهجير مئات الآلاف من العراقيين عن مناطق سكناهم ، الأمر الذي أوقف برنامج التلقيح المعتمد من وزارة الصحة العراقية قسراً ، مما ينذر بخطورة نتائج ذلك على حياة الملايين من الاطفال العراقيين الذي يستهدفهم هذا المرض اللعين الآن وفي السنوات القادمة ، طالما استمر الشلل السياسي الذي أنتجته أطراف السلطات خدمة لمصالحها الضيقة .
أن ما يتعرض له العراقيون من مآس وويلات بسبب سوء أداء قادتهم الماسكين بدفة السلطات ، تتضاعف خطورته حين يكون ضحاياه هذه المرة أطفال العراق اذا اصيبوا بهذا المرض اللعين ، وقد تكتفي الامهات بالدعاء على السياسيين المتسببين في تدمير حياة الاطفال ، بشلل يصيبهم عقاباً على ما يقترفونه من آثام بحق شعبهم ، لكن يفوت الجميع أمراً يفترض أن لا يغيب عن أذهانهم ، هو أن هؤلاء القادة وعوائلهم وبطاناتهم والمستفيدين الكبار من سياساتهم ، لا يعتمدون المؤسسات العراقية في متابعة أوضاعهم الصحية ولا نوعيات الدواء الذي يستعمله العراقيون ، انما سجلاتهم الصحية مودعة في ارقى المؤسسات الصحية العالمية وادويتهم تستورد خصيصاً من الخارج ، اضافة الى ان تلقيح اطفالهم يجري بتوقيتاته المعتادة ، ولا يتأثر بأي اضطرابات في الشارع العراقي ، وكأنهم في بلد آخر غير الذي يحكموه .