المنبرالحر

صدمة متأخرة / قيس قاسم العجرش

قبل عامين نشرت صحيفة الغارديان البريطانية إحصائية تقريبية لضحايا العنف في العراق خلال عشر سنوات، صنفتها ايضاً وفقاً لمعدلاتها النوعية، اي من مات منهم غيلة أو في تفجير إنتحاري او نتيجة خطف وقتل.
ولأن الاحصائيات عادة ما تحمل مفاجئات، فقد كانت مفاجئة تلك الإحصائية أن 34 بالمائة من الضحايا سقطوا بفعل قتل مباشر اغتيالا! وكانت نسبتهم الأعلى في التصنيف.
يعني هذا إن كل ما نشاهده ونعيشه من تفجيرات ارهابية وعبوات ناسفة وسيارات ملغومة، توقع العشرات من الضحايا، لم ينافس القتل المباشر كسبب لوقوع العدد الأكبر من الضحايا.
اسلوب القتل المباشر أو الإغتيال كان يكلّف العراقيين ما يقرب من 150 ضحية شهرياً وكثيراً ما كان العدد يرتفع في شهور التدهور الأمني والسياسي.
لكن هذا النوع من الجرائم لحسن الحظ لم يكن ليحدث بشكل جماعي كما في حالة قاعدة سبايكر، وهو الأمر الذي جعل المجتمع يتعايش معه كجريمة يومية عادية. وتكفي جولة بسيطة في ذاكرة أي عراقي لتسعفه بالأمثلة من معارفه أو من دائرة أقربائه الخاصة.
تبدأ الصّدمة بتلقي الخبر، ثم تطرح التساؤلات الشعبية التقليدية: ماذا كان يعمل رحمه الله؟ وهل كان مدعوما من حزب ما؟ هل له علاقة بالمليشيات أم ترصّده إرهابيون؟ وتنتهي التساؤلات لدى معظمنا(ومعها تنتهي الصّدمة) إما بحضور مجلس العزاء، أو بالإعتذار من أقرباء الضحيّة حين نلتقيهم في ما بعد.
وليس سرّاً إن الضحايا والقتلة عادة ما يكونون من حلقات إجتماعية مُتخالفة مذهبياً، وهذا في الحقيقة "يسهّل" الى حدٍ بعيد مهمة القاتل! في جو مجتمعي مشحون بالطائفية، رغم ان للجريمة دوافع أخرى في معظم الأحيان.
لكنها المرّة الاولى التي يُصدم فيها المجتمع بهذه السعة من القتل، وبهذه البشاعة في العشوائية بحقّ الضحايا. المرّة الاولى التي يفهم فيها المجتمع (بالصوت والصورة) إن القتل الذي فاتنا إنما أفلتنا منه بفضل الحظ، كما أن التبرؤ من الطائفية لا ينفع إطلاقاً في منع جريمة طائفية مُعقدة الأركان مثل جريمة سبايكر.
أكثر من هذا، إن الهزيمة العسكرية في الموصل وما تلاها من فوضى حتــّمت وجود عدد كبير من المفقودين، ربما لم يُفقدوا في سبايكر بعينها إلا أنّ ذويهم مجبرون على الظّن أنهم قضوا هناك. ثم جاء من تلاعب بمشاعر الناس وتحدّث عن "مفاوضات" مع مجموعات تابعة لعشائر، من اجل الإفراج عمن بقي منهم، وهي أخبار لا دقة فيها على الإطلاق.
خلاصة القول، إن مُجتمعنا اليوم مصدوم بما يمكن أن تُحدِثه الطائفية دفعةً واحدة.. بل إنه يتفرج على الصّدمة بالصوت والصورة، ولنأمل أن يستخلص منها بعض العِبر.