المنبرالحر

حتى لايخسر النازحون مرتين! / تضامن عبدالمحسن

على مر الزمن، تعلمنا ان هناك من يوثق الحدث، ويروي التأريخ. بدأ الامر منذ ان اخترعت الكـتابة، لتكون فعلا تدوينيا لمراحل تطور البلدان او سقوطها او ما تمر به من حروب وويلات وكوارث طبيعية او حتى طقوس بلاد عجيبة وروايات الابطال والفاتحين.
ولعلنا اليوم احوج الى التدوين والتوثيق، فحراجة مانحن عليه من محن وتشابك رؤى ومشاهد مروعة للدم والاغتصاب والاحتلال، تحتاج الى اكثر من وقفة واكثر من علامة استفهام ومابعدها من صفحات مطولة لكشف المستور ووضع النقاط على الحروف.
في عراقنا اليوم هناك نازحون يملكون قصصا مختلفة عن كيفية دخول (داعش) وكيفية زيادة اعدادهم، وما حدث من تهجير وقتل، وكيف كان رد الفعل الحكومي وكيف انتهت بهم السبل والى اين، والاساليب التي تعامل معهم الدواعش وكذلك الناس من اهالي المنطقة سواء النازحين منها او النازحين اليها؟ كل هذه حقائق تاريخية علينا التعامل معها بكل أمانة وبعيدا عن العواطف الطائفية وان يتم تدوينها وتوثيقها لأنها ستكون شهادات للتاريخ.
منذ بدء الهجوم الارهابي ومنظمات المجتمع المدني تقوم بعدة ندوات للحديث عن تأثير التهجير القسري للمكونات المختلفة، وندوات اخرى عن تأثير التهجير على المرأة، وتمت المطالبة في كل تلك الندوات بضرورة التوثيق لتسليط الضوء على معاناة النازحين وكذلك توثيق الصمت الحكومي ازاء مايحدث في هذه الفترة الحرجة والخطيرة لما ستؤول اليه الامور من الغاء لمكونات مثل المسيحيين والصابئة والأيزيديين، وكذلك طمر حقائق تاريخية تمت سرقتها من الكنائس والمساجد والآثار التي تعود الى الاف السنين من قبل الدواعش.
كان الهدف من الندوات هو بلورة مشروع وطني يوثق هذه الجرائم كما يوثق الفعل الحكومي في هذه الفترة، اذن بات ذلك واجب كل مواطن، ان يوثق من خلال النازحين في منطقته وان يكون هو الشاهد الحقيقي غدا امام التاريخ، فالتاريخ لاينسى.
لا بد من الاشارة الى ان هناك صحفيين اجانب يأتون من بلاد متفرقة لكتابة قصص عن النازحين، ربما سينحازون وربما (يفبركون) ليزيدوا دراما الموقف، او ربما ستقوم حكوماتهم بتشويه هذه القصص لأغراض سياسية، لذا لابد ان تكون هناك جهة عراقية موثوقة تقوم بجمع هذه القصص والوقوف عليها وتأكيد صحتها، لتعتبر مرجعا فيما بعد مهما طال الزمن، وعلى هذه الجهة سواء اكانت حكومية ام من احدى منظمات المجتمع المدني، لابد من ان ترتكز على الوطنية وتبتعد عن الطائفية.
فحقائق اليوم، وان حاول البعض الباسها بثياب غير ثيابها، وتشويه بعض معالمها، الا ان موعد كشفها سيكون سريعاً على لسان من عاش محنة التهجير من النازحين والمهجرين ، فأن من خسر ماضيه مجبر لن يكون مستعداُ للتنازل عن حاضره ومستقبله فيما بعد.