المنبرالحر

داء المحاصصة../ احمد عواد الخزاعي

تشكلت الحكومة الجديدة بعد مخاض طويل وعسير ، ورأت النور بولادة قيصرية لم يكن المشرط الامريكي غائب عنها ، لكنها ولدت مجزوءة ناقصة مرتبكة ..وكان هذا واضحا بالطريقة التي تم التصويت فيها لتنال الثقة من البرلمان ، الذي عمته الفوضى والانسحابات وتبادل فيه اعضائه الاتهامات ..حتى اصبحت جلسة منح الثقة لهذه الحكومة منبرا للخطب السياسية الحماسية ، ومتنفسا للبوح بالمظلومية لبعض المكونات والاحزاب ..بل ان بعض الكتل سارعت لفرض شروط اللحظة الاخيرة كي تصوت لصالح هذه الحكومة ..لكن الشيئ الغريب في هذه الحكومة الجديدة انها تجاوزت في مداها المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية لتستطيل الى حصة الحزب داخل الكتلة الواحدة والمحاصصة الفئوية داخل الحزب الواحد والمكون الواحد ، وأغرب ما طرح في جلسة منح الثقة هي المطالبات التي صدرت من هنا وهناك بأن تكون هذه الحكومة خاضعة لمحاصصة جديدة على المشهد السياسي العراقي ، وهي المحاصصة المناطقية ..الكل يعلم ان ديمقراطية العراق الجديد التي اسس لها الامريكان هي غريبة ومتفردة في كل شيئ عن ديمقراطيات العالم ، وانها مسخ مشوهة الملامح ، قد رأى الشعب العراقي العجب العجاب خلال المرحلة السابقة مما انتجته هذه الديمقراطية ، ولم يكن يتوقع اغلب المراقبين للشأن السياسي في العراق ان تخرج حكومة السيد العبادي عن المحاصصة الحزبية ونظام (وزارات الكانتونات الحزبية )..غير ان يصل الامر الى المطالبة بوزارات تمثل المحافظات فهذا الغرابة في حد ذاتها ..وهنا لانريد ان نغمط حق بعض المحافظات في ان تكون ممثلة في الواقع السياسي العراقي وهذا الشيئ موجود على ارض الواقع من خلال مجلس النواب الذي يمثل كل محافظات العراق ..لكن ماهي الجدوى من ان تحصل محافظة ما على كرسي يمثلها في الحكومة وما هو المكسب من وراء ذلك ..هل نحن في طريقنا الى تحويل وزارات الدولة الاتحادية الى مقاطعات مناطقية بعدما اصبحت مقاطعات حزبية وقومية واثنية ..وان اقتسام الكعكة سوف يأخذ بعدا اضافيا اخر وهو البعد المناطقي ..الكل يعلم ان اغلب مدن ومحافظات العراق قد عانت من الاهمال الحكومي لها ، والتلكؤ والمماطلة في انجاز المشاريع فيها والتي تمس المواطن بصورة مباشرة كمشاريع الماء والكهرباء وبناء المدارس ، فلا زالت هذه المحافظات عبارة عن قرى كبيرة بالرغم من الميزانيات الكبيرة التي رصدت لبعضها ، والسبب هو غياب الرقابة الحكومية لها ، والفساد المالي والاداري المستشري في جميع مرافق الدولة العراقية، وان البعض يتصور ان وجود ممثلين عن هذه المحافظات سوف يعمل على تحسين واقعها المزري ، وهذا الشيئ لم يحدث مطلقا فبعض المحافظات مثلها في الدورات السابقة اكثر من وزيرين والنتيجة ولم يطرا تغيير على واقع الخدمات فيها ..اذن الموضوع لا يعدو كونه بدعة سياسية جديدة ابتدعها بعض الساسة الذين همشوا في هذه الحكومة الجديدة لذلك جعلوا من محافظاتهم قميص عثمان ، ليحصلوا من ورائه على مكاسب شخصية لهم ..المطلوب من الجميع ان يدعوا الى ان تكون وزارات العراق لكل العراقيين ، وان تخرج من عباءة الطائفة والحزب والقومية وان يوضع على راسها وزراء ذوي كفاءة واختصاص ،وان تمتد يدها لتصل الى اقصى قرى وقصبات العراق ..وأن كان هذا الكلام قد فات اوانه ، فالحكومة تشكلت وهي استنساخ لسابقاتها ..لكننا سنبقى نأمل خيرا فيها ، وما نطمح اليه وما ندعو له سيبقى مجرد امنيات واحلام عسى ان ترى النور على ارض هذا البلد الجريح ..وكما قالت العرب قديما ..قد سبق السيف العذل .