المنبرالحر

حركة معسكر الرشيد / فيصل الفؤادي

بعد أنقلاب البعث واعتقال الالاف وقتلهم في اقبية التعذيب والسجون بادرت مجموعة من الشيوعيين وأصدقائهم الى تشكيل منظمة تضم مدنيين وعسكريين من مختلف المستويات وكان هدفها رد الاعتبار الى الحزب والعمل على الاستيلاء على السلطة , لهذا عملوا على الاتصال بالمنقطعين عن التنظيم الحزبي والاعداد الى عمل مباغت وجريئ. واتخذت هذه الحركة اسم حركة (حسن سريع ) فيما بعد. وفي يوم 3 تموز 1963 سيطرت هذه المجموعة على مشاجب السلاح والحراسة في معسكر الرشيد واحتلت المطار، ولكن بسبب مقاومة حرس السجن عجزوا عن أحتلاله وتحرير الضباط الشيوعيين منه. وقد قمعت الحركة وأعتقل قائدها العريف حسن سريع واعدم بعد صموده البطولي, وفي بيان للحزب في تقيم هذه الحركة ( عجز اعنف موجة ارهابية على قتل الروح الثورية للشعب العراقي .. ). لقد اثبت الجنود وضباط الصف قدرتهم على رسم الخطط الثورية فقد جاء في التقرير الذي قدمه أحد قادتها للحزب الشيوعي (... كانت الخطة تعتمد على التحرك الشامل لجميع المعسكرات واحتلال محطة الاذاعة من أجل دعوة الجماهير لاسناد الانتفاضة واذاعة البيان الاول للثورة واسماء الوزراء الذين يشكلون الحكومة الثورية .. .. اختير معسكر الرشيد للبدء بالانتفاضة وكون العريف حسن سريع احد قادة الانتفاضة كان يعمل قائد وحدة عسكرية في المعسكر نفسه ولوجود عدد كبير من القادة العسكريين والفنيين والطيارين الشيوعيين والثوريين في سجن رقم واحد (1 ) ويربو عددهم على ( 900 ) شخص فضلا عن وجود مطار الرشيد الذي يمكن استخدامه كقوة ضاربة واستخدام اجهزته الفنية للاتصال بالوحدات أثناء التنفيذ ). وبعد فشل الانتفاضة قامت سلطة البعث يوم 7 تموز بترحيل هؤلاء الضباط الشيوعيين والقاسمين الى نقرة السلمان في قطار سمي يومها قطار الموت, حيث تم حشرهم وفي شهر تموز القائظ في قطار لنقل البضائع وبعربات حديدية مقفلة ولولا أكتشاف سائق القطارلحمولته , والذي دفعه لزيادة سرعت القطار والوصول الى مدينة السماوة وفتح أبواب العربات ,فقد جاء الاهالي حاملين صفائح الماء البارد والملح واخذوا برشه على المعتقلين ولولا العمل ذلك لهلك الكثير من هؤلاء السجناء ومع هذا فقد أستشهد الرئيس الاول يحيى نادر لذلك سمي هذا القطار بـ (قطار الموت).
كما تعرض الكثير من أعضاء القيادة وكوادر الحزب العسكرية والمدنية الى السجن والاعتقال ومنهم من أستشهد تحت التعذيب وفي مقدمتهم اعضاء المكتب السياسي محمد صالح العبلي وجمال الحيدري والصحفي عبد الجبار وهبي وعشرات الكوادر .
لقد أثبتت التجربة أن أي عمل بدون التنظيم والتعبئة الجماهيرية لا يمكن أن ينجح , فعندما أتصل قادة الحركة ( حسن سريع ) بقيادة الحزب أي باللجنة المركزية للحزب لاخبارها بموعد تنفيذ الثورة , عارض الحزب ذلك ( يجب الالتحاق بالتنظيم الحزبي والتوقف عن التنفيذ ... ان عملكم هذا يشكل خرقا للمبادئ ومنافيا للضبط الحزبي )
وكان للحركة نواقص كثيرة كان بالامكان تلافيها لو أستفاد المنتفضون من خبرة الحزب وكوادره وضباطه، حيث كان هناك ضعف في الكفاءات العسكرية والتنظيمية , وتسرع في القيام بالعمل العسكري ، هذا اضافة الى قلة خبرة الجنود وضباط الصف , في هكذا عمل ثوري يحتاج له التحضير الجيد والتوقيت الدقيق .
تتميز حركة تموز ( حسن سريع ) كونها عملا جريئا قام به مجموعة من الجنود وضباط الصف وهم من الفقراء والمعدمين الذين لا يملكون أي شيئ سوى الارادة والمعنويات العالية، وكانت حركتهم لرد الاعتبار للحزب الذي تأثر بشكل كبير في أنقلاب 8 شباط بعد الاعتقالات والاعدامات لقيادة الحزب وكوادره , حيث أنشطرت التنظيمات الحزبية وانقطعت الخلايا واللجان عن بعضها البعض .
كانت للحركة صلات واسعة مع العديد من الخلايا الحزبية بعضها مقطوع عن التنظيم في بغداد والفرات الاوسط بين العسكرين والمدنيين, والامر الاخر أن حركة حسن سريع بقيادتها ( اللجنة الثورية ) التي كانت اقنعت نفسها بأنها قيادة الحزب نفسه لانه لم تحصل الموافقة من قيادة الحزب على هذه الحركة بعد الاتصال الغير مباشرمع اللجنة الثورية ( حبيب – سريع ) (ويذكر أن موعدا مباشرا كان قد تقرر بين محمد صالح العبلي وقيادة الحركة , لكنه أعتقل قبيل الموعد مع جمال الحيدري وعبد الجبار وهبي في دار والد الدكتور عطا الخطيب , وهكذا لم ينته شهر تموز الا وكان الطرفان (العبلي –الحيدري وتنظيم ( حبيب – السريع ) قد سحقا واعدم أغلبيتهم . وقد قيم الكونفرس الثالث للحزب المنعقد في 1967انتفاضة حسن سريع بانها: (جسدت ارادة وتصميم الشيوعيين العراقيين على أستلام السلطة في العراق ) .
و تعتبر هذه الانتفاضة أول عمل مسلح يقوم به الحزب بتنظيماته لاستلام السلطة. وبرغم ضعف الصلة والمخاوف من أنكشافها فهي حركة مسلحة ذات مضامين شيوعية وديمقراطية وذلك من خلال تشكيل الحكومة التي اراد المنتفضون تشكيلها .
وعند البحث في اسباب فشل الانتفاضة فانه يمكن القول ان الظروف الذاتية والموضوعية لم تكن مهيئة للقيام بعمل من هذا النوع أطلاقاً , فالتنظيم مشتت وأغلب القيادات العسكرية من الضباط كانوا في السجن وكذلك القيادات المدنية بين الاعتقال والسجن والقتل والاعدام , ولم يعد التنظيم يمثل قوة ماقبل شباط 1963, وكانت لبعض المنتفضين ضعف الثقة بانتصار الحركة وحالة من التردد , في حين أن قائد الحركة والبعض الاخر كان لهم الثقة الكبيرة في أمكانية التغير والسيطرة على بعض المؤسسات العسكرية والمرافق الاخرى , وقد عبر قائد الحركة ومجموعته عن موقفهم في المحكمة .
والظروف الاخرى كانت صعبة ايضا, فحزب البعث المنبوذ (بحرسه القومي ) سيطر بالقوة على كثير من مرافق الدولة من المخابرات وأجهزة الامن والاستخبارات والجيش والطيران والقصر والاذاعة وغيرها . أضافة الى دور المخابرات الامريكية والبريطانية والعربية في المنطقة والتخوف من مجيئ الحزب الشيوعي للسلطة في العراق .
وكما هو معروف أن الانتفاضة هي شكل من أشكال النضال الارقى , وللانتفاضة قوانينها ومنها –
1-عدم التهاون باللانتفاضة وضرورة السير بها الى النهاية .
2-عندما تبدا يبدا معها الحزم و الجرأة والهجوم, والدفاع يعني موت الانتفاضة المسلحة .
3- المفاجئة عنصر أساسي في الانتفاضة .
4- الوقت المناسب والزمن المناسب والنجاحات المهمة والنوعية
وقد ذكرالاستراتيجي دانتون حول الانتفاضة المسلحة (الجرأة, الجرأة أيضا , الجرأة أبداً ), وهي عملية ثورية مستمرة .
يقول لينين في الانتفاضة ( أن الانتفاضة فن وأن القاعدة الاقدام و الشجاعة صفاتها ) ويضيف في تحليله لتطبيق المنهج الماركسي , وفي تحليل الظرف الملموس , والواقع الثوري , يرى في هذا الجانب ضروة الاخذ بتطور الاحداث السياسية والواقع العملي وتطور الظروف الموضوعية والذاتية وميزان القوى الاجتماعية المحركة للفعل الثوري ورد فعل السلطة .ولهذا كان ينبغي على المنتفضين أخذ هذه الشروط والقوانين بنظر الاعتبار .
حتمت الظروف على الحزب التواجد وتغير أساليب العمل وبأشكال مختلفة في العراق في ريف الفرات الاوسط وجبال كردستان ومنهم من حمل السلاح دفاعا عن النفس والثورة وضد الانقلابين، حيث شكلوا أول حركة انصارية شيوعية في تاريخ العراق .
ونتيجة لهذه الظروف لم يتسنى قيادة الحزب الناجية من الاعتقال والموت من أن تجتمع وتقرر السياسة الجديدة بعد هذا الانقلاب بل حملت القواعد السلاح بأرادة أو بغيرها , وبعضها أعتمد على التصرف الشخصي خاصة في المدن دون توجيهات من القيادة .
وقد تأثر الحزب سياسيا وفكريا بهذه الظروف والتي لم تحسب بشكل دقيق , حيث الرجعية وازلامها وحلفائها من الامريكان والبريطانيين كانت تعمل من أجل أن تسنح الفرصة لها للقضاء على الحزب الشيوعي العراقي .