المنبرالحر

التقاعد المريح جداً! / قيس قاسم العجرش

اللواء(ك)، ضابط إداري في الجيش العراقي أحاله النظام السابق على التقاعد عام 1998 بعد ان خدم 40 سنة كضابط إداري في مختلف وحدات الجيش.
يدخل عليه الضباط والمراتب وبمحبّة يودّعونه، وهو الذي لم يلق احداً يوماً إلا بابتسامة عريضة ونكتة لا تخدش هيبته في الوحدة العسكرية حتى اني وقفت مذهولاً: هل يمكن لجندي عراقي بسيط يؤدي الخدمة الإلزامية رغماً عن انفه أن تفيض عيناه بالدموع حين يرى قائده يحال على التقاعد؟
نعم ممكن، لأن اللواء (ك) كان يجلب معه (سفرطاس) من البيت فيه رز ومرق وقطعة دجاج مشوية، ويتعمد ان يُخرج حصّة مراسله الجندي قبل ان يمدّ يدهُ على الطعام وليس بعد ان ينتهي!
والتقاعد في الجيش العراقي غير الإحالة الى دائرة المحاربين إذ أن المُتقاعد يُعدّ خارج الخدمة فعلياً، وفيها شيء من الإنزال من قدر الضابط إن لم يكن قد أنهى سن ثلاثة وستين عاماً حسب القانون العراقي.
اُبعد صاحبنا عن الخدمة في الستينيات بعد الإشتباه بعلاقته مع الشيوعيين، وهي وشاية حدثني عنها مرّة بقوله: لو كنت شيوعياً لأعلنتها لكني لا أومن بالإنتماء السياسي للعسكر. وتمّت اعادته الى الخدمة بعد سنتين بين السجن والإستجواب آنذاك.
بعد عام 1991 خرج من الخدمة مرّة ثانية، واعيد عام 1994 لأنه ضابط حسابات بارع، ثم احالوه على التقاعد حين اكتشفوا بالصُّدفة أن اضبارته الحزبية لم تتحرك منذ عشرين عاماً! وبالتالي فليست له درجة حزبية.
رأيت اللواء(ك)بعد تقاعده وهو يُمارس مهنة تعينه على الحياة، لأنه لم يأخذ من السنوات الأربعين في الخدمة إلا ارتفاع ضغط الدم والسكري وراتبه المتواضع و150 متراً مربعاً هي بيت يملكه لسكنه وأولاده ومِنحة استلمها عام 1985 مكـّنته من تحويل أمتاره المربعة الى بيت ما زال فيه لم يتغير.
هذا الضابط كان في لحظةٍ ما يتحكّم بمستودعات الجيش العراقي، ثم بمديرية التسليح والتجهيز. ثم اصبح مديراً للحسابات ولرواتب ثلث القوات المسلحة، وكان بالتالي موضع تملّـق من جانب آمري الوحدات والقواطع بطريقة غير مسبوقة.
يبدو أن منصبه أسال لعاب ضباط آخرين أو انه وقع ضحية وشاية فقد خرج من الخدمة، وكان فرحاً بالفعل لخروجه، لأنه سيتفرغ للقراءة على حد تعبيره!
التقاعد بالنسبة له كان بداية حياة تستوجب التأمل بعد عمره الطويل ..خرج بولدين ناجحين وسيرة نظيفة ومكتبة بقي يقرأ منها لآخر يوم في حياته.
أتساءل هنا...هل سيكون هذا هو حال الضبّاط القادة الذين أحيلوا على التقاعد مؤخراً؟..هل سيُمضون اوقاتهم بالاحتجاب عن الناس؟ ام أن دعوات الأمهات الثكالى ستلاحقهم في نومهم ويقظتهم وحين يتفرغون لمتابعة حساباتهم الشخصية ؟!