المنبرالحر

عشٌّ من الثلج! / مزهر بن مدلول

منذ ثلاثة آلاف عام ونحن نقاتل بعضنا، منذ ذلك الزمن السحيق ونحن نتعرف على رائحة الموت اكثر مما نتعرف على رائحة القهوة! احلامنا البسيطة مقهورة، ومشاعرنا واحاسيسنا التي شرَّعتها السماء اصبحت بالية وغير صالحة للاستعمال!.
منذ ذلك الدهر ايضا ونحن نرفع شعار «كلّ شيء من اجل المعركة»! والمعركة حصدت ارواحنا حتى ضاق بنا التراب واصبحت «قبورنا جماعية»! فهل من عاقل ومبصر في هذه البلاد ينقذنا من الخوف والموت الذي يخيم على نفوسنا؟ هل من احد يحب الجمال والالوان ويخلع السواد الذي يملأ صدورنا!؟
نحن بحاجة الى قبطان ماهر يقود السفينة، قبطان يعرف الطريق جيدا ويقودها بأمان الى شاطئ الحياة ومعانيها الدافئة، نريدهُ ان يأخذنا معه برغبة مشتعلة وايقاعات حثيثة وعواطف ساخطة الى ارثنا الابداعي الغزير وعمقنا الانساني الخالي من الفقاعات والفضاضة والتطفل والاحتيال، ذلك الارث الذي تركه لنا اصحاب الشخصيات الجذابة والعقول الذكية المنفتحة، الذين قفزوا فجأة من التاريخ وبلَّغوا احتجاجاتهم ثم اختفوا مثل كائنات زئبقية!.
نريدهُ ان يأخذنا بفيض من الاحاسيس، في رحلة مطرزة باحزان القصب، الى القرى التي سكنت بين الضباب والماء، الى مسقط ولادتنا وعنوان تمردنا والمكان الذي جعلنا نحلم بيوتوبيا «توماس مور» وخياله العذب في المساواة والكرامة والتخلص من الفقر!.
نريد ان نستمع الى الحان الطيور فوق اسلاكنا العتيقة، الى الاغاني التي تتوهج حنينا على اسطح المنازل، الى لغة العيون وهمسها، الى «خزامى» و»عيون الزا»، وذلك العشق الازلي المجنون والدراما الرومانسية.
نحن بحاجة اليوم الى الذي يجعلنا نتذكر ايام التأتأة الاولى عندما كنّا لا نرى البدرَ الاّ مكتملاً ولا نفكر بالحربِ الاّ لعبةً ولانعرف البكاء الاّ براءةً، فدعونا نستعيد الحياة ونذهب الى هناك، الى «وادي بغيض» لنلقي التحية والزهورعلى قبري جميل وبثينة! نذهب الى الفضاء المائي الاخضر (الاهوار) لنخبر كَلكَامش عن حقيقة موت (انكيدو)!
تعالوا ايها الناس نذهب بروحانية خالصة وخاشعة ونقية الى المزارات المقدسة، الى ذلك الإنسان صاحب الذهن الواضح والقلب الصافي ابو ذر الغفاري ونلتمسه الدعاء عسى ان تتحقق امنيات الامهات العراقيات في التخلص من كوابيس الحروب والفتنة الطائفية وقلة الزاد، نلتمسه في تحقيق امنيات اهلنا البسيطة، نومٌ عميق في عش صغير حتى ولو كان من الثلج!