المنبرالحر

ُأخرِجَ مُتحسِناً / مازن العاني

«إكتسبَ الشفاء التام»، «أخرجَ متحسنا»، «خرج على مسؤوليته»، عبارات يسجلها الأطباء لتقيّم حالة مرضاهم حالَ خروجهم من المستشفى.
و ربما تكون تعويذة «أخرج متحسنا» هي الاكثر شيوعا. وهي تعبر عن تشخيص هلامي، عائم، حمال أوجه، لا يوحي باكثر من ان حالة المريض لحظة مغادرته المستشفى هي أفضل منها يوم إدخاله إليها. وصفٌ يسعى الاطباء من خلاله لحماية انفسهم من أية مسؤولية او مساءلة قانونية قد تواجههم، اذا تعرض المريض لانتكاسة صحية جديدة. هذه التعويذة باتت منتهية الصلاحية للاسف، امام المساءلات والملاحقات العشائرية السائدة في ازمنة التراجع والتردي الحالية.
«أخرج متحسنا» تذكرتها حين أُعلن عن تشكيل حكومتنا العتيدة وأُخرجت من غرفة إنعاش المطبخ السياسي بوضع قلق عائم ، بعد ان تجاوزت عملية التشكيل معوقات وأعراضا جانبية أخرى لم تكن باليسيرة، في مقدمتها تداعيات الوضع الخطير الذي دخلته البلاد منذ الانتكاسة- الفضيحة يوم العاشر من حزيران الماضي، اضافة الى إصرار رئيسها السابق حتى اللحظة الاخيرة على البقاء في ولاية وزارية ثالثة.
واكد الاسبوعان الماضيان ان حالة الحكومة ما تزال متأرجحة ويمكن لها ان تصاب بعارض سياسي ونوبة مفاجئة في اية لحظة، وامامها طريق عسير قبل ان يعلن ان حالتها تجاوزت مرحلة الخطر، ناهيك عن الاعلان استقرار هذه الحالة. ولن نتحدث عن اكتسابها الشفاء التام، بتجاوزها مأزق الطائفية وتقاسم مراكز النفوذ والمحاصصة سيئة الصيت، فذلك بات حلما بعيد المنال ودونه عمل و نضال، في ظل المعادلات والتوازنات القائمة.
المشكلة ان مضاعفات ما بعد التشكيل تعددت وتنوعت، وما عادت الاعاقات تتعلق « بمطالب تعجيزية»، كما يقول مناصرو الحكومة، من جانب الكتل الاخرى التي تريد احراج حزب السيد رئيس الوزراء او كتلته السياسية. المشكلة وربما المصيبة ان من يضع العصي اليوم اكثر من غيره في عجلة حكومة العبادي، ويريد استحصال شهادة وفاة مبكرة لها، هم من حلفائه في الكتلة السياسية والبرلمانية، ودعاة وقادة من حزبه بالذات، ممن لم يتردد بعضهم عن اعلان امتعاضه من ابعاد المالكي و احلال العبادي محله.
هذه الاجواء باتت تقف وراء عجز العبادي عن استكمال تشكيل الوزارة، كما حصل مؤخرا حين اخفق في تمرير ترشيح وزيري الدفاع و الداخلية امام البرلمان. حيث جاءت المعارضة له من داخل بيته اساسا، و ليس من بيوت الجيران و سكان «ذاك الصوب».
هذا الامر أغاض الرئيس الجديد و اخرجه عن طوره، ليعلن انه يرفض تقييده بالتزامات وسقوف زمنية ما دامت الامور تدار بهذه الطريقة! وليست التظاهرات المفاجئة التي شهدتها مدن عدة في الفترة الاخيرة، احتجاجا على اعلان موقف دولي داعم للعراق في تصديه للارهاب و ترجمته عبر الضربات الجوية، وتلك التي يجري التلويح بتسييرها بحجة اهمال متابعة قضية شهداء سبايكر، الا مثالا آخراً على السعي لأحراج حكومة العبادي و ارباكها، وربما للتعجيل بأجلها.
نعم لقد ظهر العبادي في آخر حضور له في مجلس النواب محاصرا و محبطا من ذوي القربى، و تحدث بألم و إنفعال واضحين، وبدا حاله حال أقصر فحول شعراء الجاهلية عمراً(طرفة ابن العبد) يوم ردد:
وَظلمُ ذوي القربي أشدّ مَضاضة ً
على المرءِ من وقعِ الحسامِ المهندِ