المنبرالحر

اللعبة الأمريكية / زهير كاظم عبود

ليس من باب نظرية المؤامرة والتشكيك، انما للمقارنة في التعامل والأسلوب ثم الاستنتاج ، لذا فأن اسئلة كثيرة تطرح نفسها لعلها تجد الجواب الشافي، فالولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى لها حساباتها وسياساتها وفقا لمصالحها، الا انها احيانا تتجاوز في تعاملها وعلى حساب حلفائها دون التفريط بمصالحها، وتتجاوز في أحيان اخرى حتى على الاتفاقيات الاستراتيجية التي تعقدها مع بعض الحكومات .
ليس بعيدا الحرب التي شنتها القوات الأمريكية على قوات الجيش العراقي عند انتهاء المدة التي حددها التحالف الدولي لصدام للانسحاب من الكويت ، وما كانت تلك الحرب تقع لولا اعتماد الاستخبارات الأمريكية على المواقع الحساسة ونقاط الضعف التي تعاني منها القوات المسلحة العراقية، وما كانت لتقع لولا غباء صدام حسين وعدم فهمه لأبعاد اللعبة حين احتل الكويت وحين رفض الانسحاب منها، تاركا كل وحدات الجيش العراقي تحت رحمة الطيران الامريكي والتحالف الدولي، ووضع العراق تحت رحمة القصف الصاروخي والطيران، وما كانت لتقع لولا قطع الجسور والمواصلات التي يتم اعتمادها في الانسحاب من الأراضي الكويتية أو العراقية، مع شرخ كبير وعميق بين سلطة صدام وبين الشعب العراقي .
وقبل سنوات كانت الموصل مستلبة تحت رحمة وحكم الإرهاب، وكان الناس تعاني من دخول وتواجد الارهابيين والأغراب الى المدينة والتحكم فيها، وفي تلك الفترة اما أن تكون الاستخبارات والمخابرات والأمن العراقي غائبة ولا تعرف، او انها تخفي هذه المعلومات عن الحكومة، أو ان الحكومة تعرف ذلك الا انها تتخذ موقف اللامبالاة والصمت أزاء ما يجري بحق اهل هذه المدينة، وبحكم التصاق الموصل بالحدود التركية والسورية، فأن دخول الارهابيين من منافذ مكشوفة ومعروفة بات أمرا مسلما به ومكشوفا، وحين تم عقد الاتفاقية العراقية – الأمريكية ، كانت مجاميع الأرهابيين تقاتل في سورية وتدخل الى العراق بسهولة ويسر، وتحت انظار ومعرفة الولايات المتحدة الأمريكية، بل ان حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة كانوا من اشد الداعمين اللوجستيين لهذه المجموعات الإرهابية، سواء كان أسمها القاعدة أو داعش أو جبهة النصرة أو بوكو حرام او جند الله أو الدولة الإسلامية أو غيرها من الأسماء المتبرقعة بلبوس الدين، وبمعرفة الولايات المتحدة الأمريكية كانت تصل الى المجموعات الإرهابية أسلحة وأموال وامدادات تم تشخيص مصادرها وأسماء مموليها، وبمعرفة الولايات المتحدة الأمريكية الاستخباري كانت تعرف مواقع الأرهابيين وقياداتهم ومراكز مواقعهم الإلكترونية ومن يديرها وحركاتهم، وبمعرفة الولايات المتحدة الأمريكية الأستخباري كانت ترصد دخول وخروج الارهابيين من تلك الدول الى العراق وبالعكس، وبمعرفتها ايضا كانت تعرف اماكن تدريباتهم وتواجدهم وطرق الوصول الى مناطق تجمعات الإرهابيين، وكانت قدرة الأجهزة الأمنية الأمريكية تنسجم مع حجم الهيمنة والسطوة الدولية لها على العالم .
ومن خلال عملها في العراق خلال فترة الاحتلال تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية أن ترصد المعلومات الدقيقة لكل مفاصل هذا البلد، فلم يعد بعد كل هذا شيئ لا تعرفه أو مخفيا عنها .
وبعد ان اقرت المعاهدة الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في العام 2008، كان من بين أهم البنود التي اتفقا عليها أنه عند نشوء أي خطر خارجي أو داخلي ضد العراق أو وقوع عدوان ما عليه، من شأنه انتهاك سيادته أو استقلاله السياسي أو وحدة أراضيه أو مياهه أو أجوائه، أو تهديد نظامه الديمقراطي أو مؤسساته المنتخبة، ويقوم الطرفان، بناء على طلب من حكومة العراق، بالشروع فوراً في مداولات ستراتيجية، وفقاً لما قد يتفقان عليه فيما بينهما، وتتخذ الولايات المتحدة الاجراءات المناسبة، والتي تشمل الاجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي اجراء اخر، للتعامل مع مثل هذا التهديد.
هذا النص يفترض انه ملزم وفقا للاتفاقية ان تبادر الولايات المتحدة الى أن تبين مقدار حجم الخطر الذي يهدد العراق، وأيضا أن تبادر الى درء الهجوم الذي شنته المجموعات الأرهابية التي دخلت من سورية واتخذت من تركيا موقعا خلفيا، وأن تكشف للعراق ما صورته الأقمار الاصطناعية، وان تبادر بدلا من التلكؤ الى اتخاذ موقف ينم عن احترامها لهذه المعاهدة ، وأن يتم تشكيل غرفة عمليات مشتركة لدرء الخطر الحال على العراق.
الغرابة تكمن في ان الولايات المتحدة قررت بادئ الأمر عدم التدخل مع عدم امكانية ارسال أية قوات لمحاربة داعش بزعم وجود فرقة وانقسام بين العراقيين، الا انه وبتاريخ حزيران 2014 قررت امريكا الوقوف مع العراق لمحاربة الارهاب، ودعت المجتمع الدولي لمحاربة هذا العدو الذي ينذر المنطقة بالخطر، ودعت حلفائها في المنطقة ليتخذوا قرارات من شأنها الوقوف ضد داعش، كل هذا بعد أن اكتشفت أمريكا أن ليس من مصلحتها أن يكون لداعش موطئ قدم في العراق ولا تمدده في بقية المناطق.
وبعد ممانعة وتبريرات لتأخير تسليح العراق ، تمت الموافقة على تسليح القوات العراقية
بعدد من طائرات الأباتشي وبكمية من صواريخ هيلفاير الدقيقة، ثم تطور الموقف الى تقديم الدعم الأستخباري وشن الهجمات الجوية بطائرات بدون طيار، ثم الدعوة لمؤتمر لمكافحة الإرهاب، والخروج بنتائج محاربة داعش من قبل الدول التي حضرت المؤتمر بما فيها حلفاء امريكا في المنطقة من الداعمين لداعش ماديا ومعنويا.
ويبدو ان انسجاما وتقاربا حصل خلال هذه الفترة بين الإيرانيين والأمريكيين، الا ان أسراره بقيت قيد الكتمان لم يكشف سوى جزء منها ما حصل في العراق، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام وجود داعش على الأرض العراقية مع وجود منافذ معروفة تبيح لها التنقل بين العراق وسورية لم تزل مستخدمة، وأن هناك تجارة تهريب أموال وبيع نفط تتم تحت انظار المجتمع الدولي وتتعامل بها دول وشخصيات لم تزل مستمرة بالتعامل مع داعش، ولم يعد يخفى على احد تأمين وتبييض الأموال لصالح داعش، ولم يعد خافيا أيضا الدور التركي والخليجي الداعم للتنظيمات الإرهابية في المنطقة، كما لم يعد يخفى دور المجرم الهارب عزت الدوري والذي يجد المأوى والحماية من دول مجاورة من حلفاء امريكا وهو المتحالف الاستراتيجي مع القاعدة .
أن الأسلحة التي غنمتها داعش من وحدات الجيش العراقي تستعملها في سورية وفي العراق، وهناك كميات من الأجهزة المتطورة والمعدات التي وفرتها دول مجاورة للعراق استوردت كميات من السيارات المجهزة بمعدات عسكرية وأجهزة اتصالات وانصات سلمتها الى داعش، تستعملها في حركاتها وقتالها، بالإضافة الى استمرار دول مجاورة بتدريب داعش وتأهيلها ومن ثم ارسالها للقتال في العراق وسورية عبر الأراضي التركية.
ان القاعدة التي تستند عليها داعش في استقطاب المقاتلين تكمن في الفتاوى التي يصدرها رجال دين متطرفون وتكفيريون، وهذه المجموعة لم تتخل عن نهجها في تسويق الفتاوى وتضليل الشباب، ودفعهم للقتال حتى الموت، ولم تتم مواجهتها وتقويمها، كما لم تتم اعتماد خطط تثقيفية، وبالرغم من مضي شهور عدة على احتلال مدن رئيسية في العراق وسورية، وقيام التنظيم الإرهابي بقتل وترويع وتهجير الاف المواطنين والتصرف بأموالهم ، لم تكن النتائج سوى قتال دائر وانتشار إرهابي في مدن وقرى ومفاصل عراقية، وخلال ذلك تمكن داعش من ارتكاب جرائم كبيرة بعد السيطرة على مواقع عراقية حساسة، وقيامه بقتل عشرات الالاف من المواطنين بيسر وسهولة وبدم بارد، مثلما لم تتم محاسبة مصادر التمويل والعمل على تجفيفها والقيام بالإجراءات الرادعة ضد ممولي الجماعات الإرهابية .
لم تنكشف حتى اليوم الأسباب الحقيقية وراء انسحاب القطعات العسكرية العراقية من مدينة الموصل ولا أسباب تركها كامل الأسلحة والمعدات خلفها بما فيها الاليات ومنصات الصواريخ والراجمات، ولا أسباب تسليم قاعدة سبايكر ومعها الاف الجنود العزل الى داعش لتعيدهم الى اهلهم جثثا هامدة في مجزرة بشعة هزت ضمير العالم، ولا أسباب تخلي القوات العراقية عن تلعفر وانسحابها منها، ولم تتوضح حتى اليوم أسباب محاصرة مئات الجنود العراقيين في منطقة الصقلاوية والسجر وجرف الصخر دون عتاد أو دون تموين أو ماء حتى قضي عليهم ، كما لم تنكشف الأسباب الحقيقية وراء انسحاب قوات البيش مركة من سنجار والشريط الحدودي مع مدينة الموصل، وعدم تسليح المواطنين الأيزيديين وتركهم يواجهون الموت والذبح والهروب الجماعي في الجبال والعراء والوديان، حيث شكلوا مفارز ومليشيات شعبية لمواجهة القتلة والإرهابيين.
ضمنت امريكا مطالبة المجتمع العراقي بالعودة الى اراضيها، وفتح العراق اجواءه الى طائراتها وطائرات التحالف الدولي، وضمنت امريكا وجود قسم من خبرائها العسكريين وقواتها على الأرض العراقية، وضمنت ايضا بقاء الحال الى سنوات حسب تصريحات الرئيس الأمريكي، كما انها ضمنت خرقها لأجواء سوريا رغم سيادتها على أراضيها، وعلينا ان نتذكر ان داعش احد الفصائل التي انسجمت مع التطلعات الأمريكية في محاربة نظام بشار الأسد، ولم تقدم حينها امريكا على اعتبارها منظمة إرهابية في حين تم اعتبار حزب العمال الكردستاني وحزب الله تنظيمات إرهابية.
أن ظهر داعش مكشوف، وخطط سيره معروفة، ومواقعة وأماكن تواجده التي احتلها او التي يتمركز فيها محددة، والطيران يمكن له ان يفصل في تدمير تلك الأهداف خلال ساعات أو أيام، والحرب على العراق شاهد قريب على ذلك .
لم يعد خافيا على أحد أن التنظيمات الأرهابية لم تكن الا وسيلة من وسائل المخابرات المركزية في الحرب التي تقررها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه التنظيمات تمتد وتتمدد حسب مقتضى الحال من افغانستان مرورا بفلسطين والعراق وسورية والجزائر واليمن وسورية، وهذه الفصائل ماهي الا ورقة قمار ضمن ورق اللعبة الأمريكية في المنطقة، اللاعب الأمريكي فيها هو الجوكر والخاسر فيها دوما المواطن في المنطقة ايضا، ومع كل هذا فأن الولايات المتحدة الأمريكية من أصدقاء العراق !!!! .