المنبرالحر

السعلوة في المشهد العراقي / احمد عواد الخزاعي

السعلاة أو (السعلوة)...كائن خرافي يغطي جسدها الشعر بأكمله ولديها وجه قبيح ومخيف تخرج منه أسنان كبيرة ..وهي تمثل إحدى نتاجات العقل العربي الجمعي الأسطوري ومن التفسيرات الشائعة للكثير من الحوادث الغامضة التي لم يجدوا لها مبررات منطقية في حينها ، فأوكلوها إلى الميتافيزيقيا والعوالم الأخرى كالجن والملائكة، وتراثنا العربي مليء بالقصص والحكايات التي يشكل الجن المادة الأساسية لها ويذكر المؤرخون إن الجن قد قتل شخصيات بارزة في الجاهلية والإسلام مثل حرب ابن أمية بن عبد شمس والد أبو سفيان ، ومرداس بن أبي عامر الاسلمي والد عباس من مرداس الفارس والشاعر العربي الذي اسلم بعد فتح مكة ، وسعد بن عبادة زعيم الخزرج الذي غادر المدينة بعد وفاة النبي إلى الشام وقيل إن الجن قتلته هناك وأنشدت على جثته ..قتلنا سعد ابن عبادة ..رميناه بسهم لم يخطئ فؤاده...
وتختلف تسمية السعلوة في بلداننا العربية من بلد إلى آخر تبعا للموروث الشعبي واللهجة ..ففي مصر تسمى النداهة، وفي اليمن والجزيرة العربية تسمى أم الصبيان، وفي المغرب العربي يطلقون عليها عيشة القنديشة ..وأجمل القصص وأكثرها غرابة وقربا للواقع من حيث الموروث الشعبي لوجود أثر اجتماعي كان قائما لوقت قريب ..هي حكاية رواها لي احد سكنه منطقة الكرادة الشرقية في بغداد عن جده حسين عمرة الذي كان يمتلك بساتين واسعة على نهر دجلة في تلك المنطقة التي تحولت إلى مركز تجاري مهم وكبير الآن ..كان جده يمتلك فرسا جميلة ولشهر كامل وهو يجدها كل صباح وقد أعياها التعب دون أن يعرف السبب، مما اضطره إلى وضع مادة القير على سرج الفرس ، وفي صباح اليوم التالي وجد كائن غريب مسخ ملتصق على السرج ، هو زوج السعلوة الذي يطلقون عليه اسم ، (فرج الأقرع)..فحبسه في البستان وما أن حل الليل حتى اهتزت أركان البيت من طرق الأبواب وصوت مدوي خلفه يقول..أطلقوا سراح زوجي فرج الأقرع أو أغرق أطفالكم في نهر دجلة ..عندها خرج حسين عمرة بصورة مفاجئة ليرتمي في أحضانها ويرضع من ثديها فيصبح أبنها ، ثم قام بإطلاق سراح زوجها فرج الأقرع وطلب منها عدم إيذائهم لأنها أصبحت أمه .. عندها خيرته السعلاة بين احد الأمرين ، أما تمنحه القدرة على شفاء رمد العين أو شفاء الآم الظهر ..فأختار شفاء الآم الظهر، فمنحته ما يريد، وبقي حسين عمرة طيلة حياته إلى مماته والبغداديين يقصدونه لشفاء ظهورهم بضغطة من قدمه عليها ..وبغض النظر عن مقدار الصحة في هذه الحكاية إلا أنها تشكل موروثا اجتماعيا وإنسانيا جميلا ذا دلالات أخلاقية واعتبارية تكسر حاجز الجمود والرتابة في المنظومة الاجتماعية السائدة وتخلق جوا من الإثارة، وحالة من التقاء الأضداد لوجود حلقة مفقودة بين المتناقضات أذا ما اجتهدنا في البحث عنها فإننا سنجد أكثر من مشترك يحول حالة الكره أو العداء بيننا وبين الآخرين إلى حالة وفاق وود .. وهذا الدرس قد يستطيل إلى الأزمة السياسية والاجتماعية التي يعيشها شعبنا العراقي في هذه المرحلة الخطيرة والحرجة من تاريخه المعاصر ، وإذا ما خلصت النوايا فبإمكان الكثيرين من سياسينا أن يحذو حذو حسين عمرة ويحولوا تقاطعاتهم ونزاعاتهم التي تعكر صفو الشارع العراقي وتزيد من معانات المواطن المسكين إلى حاله منتجة تعود بالخير والسلام عليه ، كما فعل حسين عمرة عندما حول حالة العداء مع السعلاة إلى أمومة أكسبته القدرة على شفاء الناس.