المنبرالحر

استراتيجية امريكا لمواجهة داعش ما بين غموض الاهداف والادوار والبحث عن المصالح / فلاح علي

                                                                 (1-2)
لمواجهة خطر داعش ومشروعها الارهابي الاجرامي الذي يحمل الموت للجميع ، والمعادي للاديان والقوميات وللتيارات الفكرية والسياسية ولكل الحضارات وللعلم والمعرفة والثقافة والحقوق والحريات والقيم الانسانية وكل ما هو يتعارض مع آيدلوجيتها الاجرامية ، رحب شعبنا العراقي بأي دعم اممي نزيه لتمكينه من مواجهة خطر داعش ولمساعدة وانقاذ المتضررين من اجرامها. جاءت الاستراتيجية الامريكية التي اعلنها الرئيس الامريكي باراك اوباما في 11/ ايلول 2014 لمواجهة الارهاب ، وصورها الاعلام انها تصب في هذا الاتجاه وفي الظرف الذي يحتاجة شعبنا لمواجهة ارهاب داعش ، وشكلت الولايات المتحدة تحالفا دوليا من اجل تنفيذ الاستراتيجية لمواجهة داعش . اني هنا لا أقلل من الاستراتيجية ومن دورالتحالف الدولي لمواجهة داعش. ولكن على ضوء قراءتي المعمقة والدقيقة للاستراتيجية المعلنة أثارت لديه العديد من التساؤلات لا سيما بعد معرفة طبيعة التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة ، و ما نشاهده الآن من تطبيقات عملية لها المتمثل بالقصف الجوي ، من هذا الاختبار العملي والقراءة المعمقة ذات الرؤية البعيدة للاستراتيجية ، يكون بمقدور كل كاتب وباحث وخبير استراتيجي وناشط سياسي بأن يخرج باستنتاجات عن الاستراتيجية الامريكية وعن طبيعة التحالف الذي تشكل لتنفيذها . من وجهة نظري ان دراستي للاستراتيجية ولمعاينتها على الارض ومن طبيعة تحالفاتها أوصلتني الى الاستنتاجات التالية :
1- وجدت فيها من حيث طبيعة التحالف الدولي والاقليمي لمواجهة الارهاب المتمثل بداعش وجبهة النصرة هنالك تناقض في الادوار حيث بعض دول التحالف اسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في دعم جبهة النصرة والتطرف وداعش وظهورها كقوة في المنطقة، وهذه الدول هي نفسها الآن دخلت في تحالف لمحاربة داعش .
2- هنالك عدم وضوح في الاهداف البعيدة لهذه الاستراتيجية ، وعدم الوضوح يكمن من خلال رصد سلوك الولايات المتحدة وحلفائها الاقلميين طيلة سنوات الازمة في سورية ، ودورهم في تعميق الازمة ونمو الحركات المتطرفة مثل جبهة النصرة والجبهة الاسلامية وجند الاسلام وداعش .
3- وارتباطاً بطبيعة التحالف الدولي نجد ان الولايات المتحدة الامريكية استبعدت دولا مهمة في ضمها للتحالف لمحاربة الارهاب ومن هذه الدول هي روسيا والصين وايران وسورية . لهذا جاءت الاستراتيجية محملة بالاجندات الامريكية في المنطقة والمسك بملفاتها ، لذا ارى ان القراءة الدقيقة المعمقة للاستراتيجية تؤشر الى ان الولايات المتحدة تهدف من استراتيجيتها هذه الى الاستثمار السياسي لظاهرة داعش .
4- مضت عدت اسابيع من الاختبارات العملية على الارض للأستراتيجية الامريكية من خلال القصف الجوي لمواقع داعش في العراق وسورية بأستثناء منطقة اربيل ، يشاهد العالم اجمع رغم استمرار القصف الجوي الا انه لا يؤثر على تمدد داعش وانتشارها ما بين سورية والعراق حيث تزداد المساحات التي سيطرعليها التنظيم في العراق وهجومها على محافظة الرمادي الآن لغرض السيطرة عليها ، وقد يكون توجهها القادم نحو بغداد من خلال عامرية الفلوجة وجرف الصخر ، فيما اذا تمكنت من السيطرة على الرمادي وهذا احتمال ، وعلى الغالب سيكون صعب بالنسبه لداعش وسيتم دحرها في مدينة الرمادي وتطهيرها من هذه العصابات المجرمة ، لكن الملاحظ ان داعش الآن في ظل القصف الجوي تتمدد وتهدد مدن في العراق . وعلى الساحة السورية حيث انها تواصل هجومها على مدينة كوبوني الكوردية المحاذية للحدود التركية ، والغريب في الامر ان امدادات داعش في منطقة كوبوني من الارهابيين والدبابات والآليات والمدافع لم تتوقف وصلت اليها من مناطق في سورية مثل الرقة وحلب وغيرهما الى بلدة كوبوني تحت مرأى الاقمار الصناعية لأمريكا ودول التحالف ، والاكثر غرابة ان تركيا هي احد دول التحالف وحسب ما نقلت وكالات انباء منعت وصول امدادات عسكرية للمقاتلين الاكراد ربما كانت قادمة من ايران او كوردستان العراق او حزب العمال التركي .
تساؤلات تفرض نفسها على مصداقية الاستراتيجية في محاربة داعش:
هنالك العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام تحوم حول مصداقية الاستراتيجية الامريكية ، هل هي حقاً بهذه الاجندة وبهذا التحالف تهدف الى القضاء على داعش وانهائها ام تحجيمها فقط؟ اني ارى ان كل من يقرأ هذه الاستراتيجية بعمق وتمعن ، وكل من تابع ادوار دول التحالف الحالي خلال الازمة السورية تثار لديه عدد من الاسئلة حولها ومن هذه الاسئلة من وجهة نظري هي :
1- من الناحية التاريخية :
ان داعش قد استباحت مدينة الرقة السورية قبل حوالي ثلاث سنوات وقطعت رؤوس مواطنين علناً في احد ساحات الرقة بالجملة وجلدت البعض امام حشود الجماهير، وفرضت قوانينها اللاانسانية لقمع وارهاب النساء والشباب ليس فقط في الرقة ولكن في المناطق الاخرى التي سيطرت عليها في ارياف ادلب وحلب والحسكة .... الخ . نجد ان امريكا كانت خلال هذه الفترة الطويلة تتفرج على جرائم داعش ، ولم تحرك ساكناً ولم تصدر بيان ادانة لا هي ولا حلفاؤها تركيا والسعودية وقطر . ثم بعد ذلك استولت داعش على مدينة الموصل في يوم 10-6- 2014 وتمددت باتجاه تكريت وكركوك والرمادي وديالى وشهد العالم ماقامت به من جرائم بشعة بحق المسيحيين والازيدية والتركمات والاكراد والشبك والعرب في دشت الموصل وسنجار وفي آمرلي والمناطق الاخرى، لم تتحرك امريكا ضد داعش وحلفاؤها وكانوا متفرجين وبعضهم لم يصدر بيان ادانة لداعش أوتضامن مع الشعب العراقي .
اذن متى تحركت امريكا ضد داعش ؟
المتابع السياسي يعرف جيداً ان امريكا تحركت عندما حصل حدثان وهما :
1- الحدث الاول : عندما تقدمت داعش باتجاه اربيل ووصلت مسافة حوالي 30 كم ، من وجهة نظري ارى ان الشعب الكوردي والبيشمركًا الابطال قادران على دحر داعش ، وبلا شك بالوحدة الوطنية الصلدة وبمشاركة الجيش العراقي والتضامن الاممي النزية . لكن ارى ان الذي حرك امريكا بشكل سريع ضد داعش هو مصالحها وليس الخوف على الشعب الكوردي من ارهاب واجرام داعش وخطرها على شعوب المنطقة حيث لأمريكا استثمارات في حقول نفط كوردستان وتوجد شركات نفط امريكية وغربية اضافة الى المئات من رعاياها العاملين في الشركات او في مجالات اخرى ولديها قنصلية اضافة الى رعايا دول غربية اخرى . فهي تحركت للدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها .
2- الحدث الثاني : هو قيام داعش في سورية بقطع رأسي رهينتين امريكيتين ، هذا الحدث فرض على امريكا التحرك السريع لحماية رعاياها . وأخذت بهذا التحرك ردود الفعل الداخلية لشعبها والخارجية بحكم كونها دولة عظمى لا بد من فرض هيبتها وقوتها .اذن لماذا لم تتحرك امريكا ضد داعش عندما كانت ولا تزال تقطع الرؤوس علناً في احد ساحات الرقة ؟ اليست هذه الجرائم لا تشكل خطرا على مصالح امريكا ؟ والتي هي المتاجر الاول في العالم بحقوق الانسان والديمقراطية ومحاربة الارهاب ، لماذا لم تصدر حتى بيان ادانة ضدها ؟ونفس الشيئ بالنسبه لبريطانيا تحركت بعد قطع رأس مواطن بريطاني رغم موقف البرلمان البريطاني الرافض للاشتراك في الحرب في سورية .
2- من الناحية الجيوسياسية :
لا يخفى على احد بوجود صراع جيوسياسي في منطقة الشرق الاوسط بين اطراف دولية هي روسيا والصين من جانب وبعض الدول وامريكا وبعض دول الناتو من جانب آخر . وما بين دول اقليمية ايران والسعودية وقطر وتركيا وبعض دول المنطقة ، وما الازمة السورية واللبنانية والعراقية الا هو تجسيد عملي لهذا الصراع . من هذا نرى ان الاستراتيجية الامريكية لمحاربة داعش استثنت من دخول التحالف عدد من الدول منها روسيا والصين على سبيل المثال وايران وسورية ، وهذه الدول هي المعنية بمحاربة الارهاب وهي ايضاً متضرره منه . وهذا الاستبعاد ما يؤكده الواقع من وجهة نظري ان الولايات المتحدة الامريكية وكأنها تريد محاسبة هذه الدول وانها ربطت بين ملف مكافحة الارهاب وملفات اخرى منها ملف الازمة الاوكرانية والازمة السورية وهذا هو احد الاسباب الاساسية لأستبعاد روسيا والصين . وبالنسبه لأيران ان امريكا تعتبر ايران طرفا في صراع اقليمي اضافة الى مشروعها النووي . وان استبعاد سورية وهي طرف اساسي في التنسيق معها لمحاربة الارهاب هو الخشية من ان هذا التنسيق يقوي النظام ويحصل على الشرعية من وجهة نظر امريكا وبعض دول التحالف . من هنا تثار علامات استفهام حول الاستراتيجية وواحدة من علامات الاستفهام ان الولايات المتحدة الامريكية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة تحظى باولوية فهي بهذه الاستراتيجية تهدف الى توظيف محاربة داعش سياسياً لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة .
هنا تثار تساؤلات اخرى مشروعة :
التساؤل الاول : هل ان امريكا باستبعادها لروسيا والصين في التحالف لمحاربة داعش قد ادركت تماماً ان التعددية القطبية هي قائمة الآن فعلاً في العلاقات الدولية وفي توازن القوى ؟ وبهذا فهي تستبق الامور لتقاسم مناطق النفوذ لتكون منطقة الشرق الاوسط الساخنه هي من مناطق نفوذها .
التساؤل الثاني : هل ان امريكا من خلال توظيفها لظاهرة داعش قد بدأت تشعر ان الظروف مؤاتية للبدء بأقامة مشروع الشرق الاوسط الجديد ؟ اني ارى ان الفوضى العارمة الآن في منطقة الشرق الاوسط وتعقد ازماته السياسية لا يعفي امريكا وحلفائها من وجود دور لهم فيها ، بسبب مصالحها وصراعهما الجيوسياسي مع قوى دولية واقليمية اخرى. هذه مجرد تساؤلات بحاجة الى دراسة وتبقى تساؤلات مشروعة طالما ان الاهداف النهائية للاستراتيجية الامريكية لمحاربة داعش غير واضحة او غير معلنة .
(يتبع)