المنبرالحر

مجنون ومحظوظ وحكيم / قيس قاسم العجرش

يحكي التاريخ أن أحد سلاطين العثمانيين واسمه أحمد الأول حكم 17 سنة، وكان يلقب بـ (بختي) أي صاحب الحظّ العظيم. وأصل التسمية أنه تعرّض لمحاولات اغتيالٍ بالسم أو برمي السهام او الطعن ولم تفلح هذه المؤامرات في قتله، فأشيع عنه أنه (بخيت!) وأن بينه وبين الموت زعل.
سبب المؤآمرات التي كانت تـُحاك ضد هذا البخيت أن والده (وكان سلطانا ًايضاً) عزلَ الصدر الأعظم عن قيادة الجيش ونزل بالسيف على رؤوس معارضيه من العسكر وفصل بين الانكشارية (الجيش الجديد) والجيش القديم وأمضى التمايز بينهم ونفى بعضاً من الألوية لمجرد الشك.
البخيت لم يخرج كثيراً عن نهج والده، بل إنه عمد الى صغار الحرس في قصره ومنحهم الرتب العالية وولاهم قيادة الجيوش وأرفق معهم المشايخ والدعاة، يمشون بين ايديهم يحضّون المقاتلين أن يموتوا أمام قادتهم الجدد قليلي الخبرة، فالسلطان يعدهم بالجنّة.
خسر هذا السلطان كثيراً من جنوده وموارد دولته في الحروب مع امبراطورية النمسا في البوسنة، وكانت الحرب بينهم كرّ وفر. لكنه خسر أكثر منها في حروب أخرى مع الدولة الفارسية وضاعت فيها أراضٍ شاسعة كانت تحت الشمس السَنيّة للدولة العليّة العثمانية، لكنها فجأة ضاعت.
مات هذا السلطان مثل كل خلق الله، وولّي العهد شقيقه المُختل عقلياً وأسمه مصطفى الأول، وكانت فرصة رائعة لأمراء الجيوش أن ينتقموا لمجدهم المفقود، ومكانتهم التي تبخرت بين غضب السلطان واستنزاف الحروب.
وثم خلع بعد عام واحد حين استنفد دوره، وتولى السلطان عثمان الثاني (وهو ابن السلطان البخيت) فأعاد الحكم الى مركزيته وأدّب الضباط الطموحين ودخل في هُدنة مع دول الحرب لكي يرتب بيته الداخلي.
لم يمض هذا السلطان (المُصلح نسبياً) سوى خمس سنين في الحكم حتى تمكنت منه خناجر الإنكشارية والباشاوات الضباط الذين اعادوا عمّه المختل عقلياً ليكون سلطاناً للمسلمين وخليفة الله على الأرض مرّة اخرى. وبقيت هذه الحال حتى ظهر سلطان اسمه مراد الرابع وهو شاب أحمر اللحية ليس في رأسه شيبة واحدة.
قضى هذا الشاب اولى سني حكمه في إخماد الفتن، ويقال انه كان يعمد الى بلاد الفتنة فيجعل من أحد ابنائها أميراً ووالياً عليها ويجعل بيده جيشاً من كل الولايات الاخرى ويأمرهم بالطاعة في الأمير الغريب عنهم، فاستتب له الأمر.
ينقل عنه احد مؤرخي التاريخ العثماني أنه قال ذات مرّة: «على كل الرعيّة أن تتذكر السلطان كظل الله على الأرض باستثناء السلطان نفسه، عليه ان ينسى ذلك».