المنبرالحر

المثقف والحرس القديم / طه رشيد

المشكلة الاساسية في كل تغيير سلبا او ايجابا تنحصر في الموالي والمعارض اذا ما انطلقا من مصالحهما الشخصية وليس من المصالح العامة او مصلحة الوطن. فهما يتبادلان الادوار في الوقت ذاته ، فترى المعارض الذي كان قبل ايام مواليا من اخمص قدميه حتى آخر شعرة من رأسه، يستشاط غضبا. لا يحركه ضميره المهني لاتخاذ المواقف الجديدة ،لانه نسى الضمير في جيب رب نعمته المخلوع او في احد صناديق الحسابات المصرفية. ففي فترة الوالي المخلوع كانت رائحة العفونة تزكم الانوف على بعد اميال، بينما الحرس ورجالات المخلوع لا يشمون تلك العفونة لانهم جزء منها، ولانهم غاطسون فيها ولا يظهر منهم داخل البرميل العفن الا عيونهم تلصلص يمينا وشمالا !
وحين يبتعدون قليلا عن البرميل يبدأون بقذف الحجارة باتجاه كل جديد متناسين بسرعة البرق عفونتهم، كما لا ينتبهون الى ان بيوتهم من زجاج !
والحرس القديم ليس حكرا على الخليفة القديم، بل تستطيع ان تجدهم في كل مكان وزمان وفي كل مؤسسة وفي كل بيت يجري فيه تغيير ما .
خطورة هذه المواقف تزداد حين يتعلق الامر بالمثقف او الفنان، وخاصة المثقف العضوي الفاعل باعتباره ضمير الامة الحي . فماذا سيبقى للامة اذا باع ذاك المثقف ضميره وتركه في جيب ولي نعمته يلعب به كما يشاء ؟!
والحديث يشمل المثقف سواء كان داخل المؤسسة الحكومية ام خارجها، فكلاهما مسؤول تاريخيا عن كل ما يجري في بلده ، من انتشار الزبالة في الاحياء الشعبية او الراقية، الى المناهج الدراسية التي هربت من الفاشية القومانية لتقع ضحية الطائفية المقيتة! وهو مسؤول ايضا عن مراقبة تردي الخدمات بمختلف اشكالها الصحية والاقتصادية والامنية والاجتماعية .
سيبادر احد الاصدقاء ويتهمني باني احمل المثقف اكثر من طاقته، وهذا غير صحيح، خاصة اذا نظرنا لما انجزه المثقف الاخر في الدول المجاورة، ولم يكن موقف الفنان والمثقف المصري غائبا عن الذاكرة .لقد كان للمثقفين المصريين دور مشرف سواء بالوقوف في وجه توزير شخص لا يصلح ان يكون اكثر من موظف في امانة العاصمة، او بالتحشيد وبالوقوف بجانب المواطن المصري في ثورته العظيمة ضد الجبروت الديناصوري لحسني مبارك مرة، ومرة اخرى ضد الاخوان المتأسلمين.
اتسآءل اليوم : لماذا وافق المثقف العراقي طيلة سنوات عديدة على تهميش وزارة الثقافة؟ لماذا وافق المثقف العراقي على توزير اناس للثقافة لا تربطهم ناقة ولا جمل بالفن ولا بالادب؟ لماذا لم يعترض المثقفون على الجمع بين المسدس والقلم على طاولة واحدة؟
لقد حان الوقت كي نطلب كمثقفين وادباء واعلاميين وفنانين من البرلمان والحكومة باعادة الاعتبار لوزارة الثقافة ودعمها ماديا ومعنويا، لانها هي المعنية بشكل رئيس بتجفيف المنابع الفكرية لداعش ومن لف لفها من قوى ظلامية تكفيرية.