المنبرالحر

الشعوب توحدها المصالح ، وليس الهويات / عادل كنيهر حافظ

منذ مديد الأمد ، وحديث السياسة والسياسيين ، يدور عن موضوعات نظرية ، خاوية المعنى والدلالة ، لم تجد لها أي نصيب في الواقع ، مثل وحدة قوميات الشعب العراقي ، ووحدة معتقده الديني وانحداره القومي العربي ...... ويتناولها الإعلام العراقي والعربي البائس ، بمنتهى الزهو والأريحية ، ولا ينضر لها كونها إثباتات لتعريف الشخصية ، وإنما ثوابت وطنية ، وتناولها على غير هذا النحو ، هو عبث غير مبرر بمقدسات المواطنة العراقية .!! في حال نحن ما هكذا في العراق ، وإنما نحن شعب متعدد الأعراق والمذاهب، منا العربي والكردي والتركماني و.....ويعتنق بعضنا الأكثر الإسلام ديناً ، ويتدين البعض الآخر بالمسيحية ، واليزيدية والصابئة وغيرهم ، وفي المجال السياسي هناك طيف من الأحزاب , منها القومية والدينية واليسارية، والحزب الشيوعي العراقي ، وكل هذا الخليط البشري الغير متجانس ومن ثم الغير منسجم ، هو حقيقة المجتمع العراقي, التي يجب أن نتفهمها ونحترمها ، حرصاً على صون حقوق و مشاعر أي من المكونات التي يتألف منها شعب العراق ، كما ينبغي أن توضع هذه الحقيقة في الاعتبار عند البحث في الطرق والوسائل لعلاج مشاكل الشعب وتوفير الممكن من متطلبات حياته ، كما تحتم الضرورة الوطنية مكاشفة الناس في الرقعة الجغرافية التي اسمها العراق , بحقيقتهم التي أعربت وبمنتهى الجلاء عن ذاتها غير مرة ، وهي تمسكهم الشديد بالهويات الفرعية ، وفي الحوادث الكبرى التي مرت بها البلاد ، وللمثل فقط : كما يروي المؤرخ العراقي المعروف السيد علي الوردي : أن الأتراك عندما دخلوا بغداد عاونهم العرب السنة ، على قتل واضطهاد العرب الشيعة . بالمقابل كان العرب الشيعة قد ساعدوا الفرس في عملية التطهير العرقي والتنكيل بالعرب السنة عندما تمكنوا من احتلال بغداد.......وفي راهن الحال يتجلى التمسك بالهويات الطائفية والعرقية والقومية ، بأبشع صوره ، ويتمظهر بأشكال القتل والتدمير والتهجير و...،وبفعل هذه التباينات العرقية والمذهبية والسياسية , وبتأثير القوى الخارجية الطامعة بثروات البلاد الوفيرة ، وفي ظل غياب الديمقراطية ، وتسلط الحكومات الإرهابية والشوفينية ، راح هذا الإختلاف وبفعل العوامل الآنفة الذكر يتحول إلى خلاف مستحكم، راح يوغل في تحطيم الروح الوطنية , مما يحتم إيجاد الحل الشافي له ، خصوصاً بعد توظيفه في مجال السياسة ،. مما أضعف وحدة الشعب وبعدها اثر على روح المواطنة, والتكاتف المجتمعي وحب الوطن والدفاع عن حياضه . ولا أريد أن أأتي بما يعكر مزاج القارئ الكريم بأمثلة على واقعنا المؤسسي ، وهنا تستحث الحاجة الوطنية ، على ترك العناد في تسويق وإعادة إنتاج مفاهيم وشعارات ، ما باتت تلامس الواقع ، ولا تنسجم حتى مع مزاج الناس . عليه ضرورة التمعن بماهية العناصر الساندة ، والشروط الضرورية ، لعلاج المشكلة الأم {وهي ضعف الروح الوطنية } والعمل على ترميم و تقويم روح الولاء للوطن وإعلاء شأن المواطنة }، بهدف الإدارة الجيدة للبلاد، و ترشيد الطرق وتسويغ الوسائل واستنفار الإعلام للولوج في مضمار التقدم والتطور ، وللحاق بركب الحضارة .... لأن وطنية المجتمع والمواطن لا تتأتى من خلال الشعارات التي تحث شعباً يتضور جوعاً ، على التمسك وتقديس الهويات الرئيسية والفرعية التي تثبت الانتماء للوطن ، كما ينظُر لذلك القومانيون وغيرهم من سقط المتاع السياسي, في الوقت الذي يربط الأمام علي ع حب الوطن بكيفية عيش الإنسان حيث يقول : الغنى في الغربة وطن ، والفقر في الوطن غربة } كما أن الحياة قدمت لنا وخصوصاً تجربة اتحاد شعوب أوربا ، ما يكفي من الدلائل والبراهين . على أن الذي يقرب ثم يوحد الناس هي المصالح الاقتصادية , التي تتعلق بوسائل عيشهم ، وسكنهم ، وطعامهم وملبسهم ، ويؤكد كارل ماركس على هذه القضية بقوله الشهير{ الإنسان يجب أن يملئ معدته من الطعام أولاً ، ثم يفكر بعدها بقضايا السياسة}
لذلك تحتم الحاجة الوطنية ، على ضرورة أن توضع في المقام الأول , الحاجات المادية للناس، من مأكل وملبس وسكن وعمل مضمون ، وباقي الخدمات الاجتماعية الأخرى ، وتأجيل المعنويات والشعارات العاطفية ، التي يجافي بعضها لمنطق الأمور . والتمعن في حقيقة مفهوم المواطنة , كونها علاقة ديالكتيكية بين الوطن والمواطن ، وحالما يجد المواطن أنه مضمون العيش معزز مكرم , وينعم بخيرات بلاده ، سنجده مخلصاً لوطنه , وباسلاً في الدفاع عن حياضه . في حال نجد الأوطان التي حولها حكامها إلى سجون كبيرة، يرى المواطن حاله فيها مهان وفقير الحال ومهمش ومعذب حائر في تدبير لقمة عيشه ، نجده لا يأبه كثيرا بما يصيب الوطن ، كما شاهدنا في العراق ، الدبابات الأمريكية قادمة لإحتلال بغداد تسير في الجانب الأيسر للطريق العام بين بغداد والبصرة ، وسيارات نقل الركاب ومركبات النقل الأخرى، تسير في الجهة اليمنى للطريق , ولا كأن هذه العجلات ستدنس تراب الوطن . لذلك تتأكد الحاجة على رعاية المواطن والاهتمام بمتطلبات عيشه ، وصون كرامته ، ومكاشفته بحقيقة ما يجري في بلاده ، وعدم إهماله وتركه فريسة الشعور باللاجدوى , هذا إذا كان في النية خلق مواطن صالح .