المنبرالحر

مليون توقيع لتجريم الطائفية / عبدالمطلب عبدالواحد

يوما بعد يوم تتفاقم محنة المواطن، في بلدنا المكتوي بنار الارهاب والمليشيات والفساد الاداري والمالي والذي بلغ مستويات تفوق التصور، وطال اغلب مؤسسات الدولة على امتداد مساحة الوطن، وقد شمل هذا الفساد قواتنا المسلحة والجهاز الامني، مما سهل لداعش وقوى الارهاب السيطرة على مساحات واسعة في اكثر من محافظة. وقد كانت سياسة المحصاصة الطائفية والاثنية ومازالت احد اهم اسباب هذا الخراب.
ان اتساع كوة الامل التي رافقت تشكيل الحكومة الجديدة، تعتمد على الجدية في تنفيذ البرنامج الذي التزمت به للاصلاح والتغيير، وان خطوات اولية لحلحلة الوضع اخذت طريقها الاجرائي الملموس. ولكن المحاولات الرامية لاصلاح الخراب الهائل الذي تكرس منذ اسقاط الدكتاتورية في 2003 حتى الان، تبقى عصية على التحقق، ما دامت العملية الانتخابية تعيد انتاج ــ مع تغييرات طفيفة ــ تركيبة من ذات القوى والاحزاب والشخصيات التي فشلت في توفير الحد الادنى من تعهداتها الانتخابية، عدا عن كون اطراف اساسية منها مسؤولة بشكل مباشر عن اشاعة العنف والارهاب، والفساد والترهل في اجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية ايضا.
ان السؤال المهم يتعلق بمدى قدرة شخص محدد، او مجموعة اشخاص مهما بلغت خبرتهم وكفاءتهم وجديتهم واخلاصهم الشخصي على التغيير، من دون التوصل الى تغيير الاسس الخاطئة التي قامت عليها العملية السياسية.
المشكلة تكمن اساسا في رثاثة الثقافة التي تختزنها وتمارسها الطبقة السياسية المتصدرة للمشهد السياسي، صاحبة المصلحة والنفوذ، بكل تلاوينها الطائفية والعرقية والدينية، المهيمنة على المفاصل الاساسية للسلطة، وعلى ادارة شؤون الدولة ووظائفها، دوليا وعربيا والاهم من كل ذلك داخليا، وفي طبيعة علاقتها مع المواطن وفشلها في تلبية حاجاته الاساسية في العيش الكريم الامن.
وتميزت بالنفاق و التحايل على الالتزام بالحد الادنى من المسؤولية الاخلاقية والقانونية، واستمرأت توظيف المال الحرام التي يدر بها عليها الفساد المالي والاداري، في التوسع والنفوذ، على حساب جوع وعري المواطن واستلاب كرامته، معممةً عليه ذات الثقافة الرثة المستندة على اشاعة العصبيات العشائرية والطائفية والعرقية ، ساعية لتكريس الوعي الزائف وشحن التوترات المجتمعية طائفيا وقوميا، وشراء الولاءات، عبر توزيع مكارمها في الحملات الانتخابية. وهي بذلك تمارس الموروث المتخلف لنظام البعث المقبور في اشد صوره بؤسا وقتامة، مغلفا بتباكيها على مصالح الدين والطائفة، والايهام بدفاعها عن حقوقهم المهضومة.
ان اصلاح مسار العملية الساسية يعتمد على القوى الشعبية، الوطنية والديمقراطية صاحبة المصلحة في التغيير وفي قدرتها على تعديل ميزان القوى عبر الصندوق الانتخابي، لصالح تركيبة برلمانية قادرة على انتاج حكومة وطنية ديمقراطية تتشكل وفق مقاييس الكفاءة والاخلاص للوطن بغض النظر عن الولاءات الاخرى. واللافت ان التغيير كان مطلبا شعبيا واسعا قبل الانتخابات البرلمانية الاخيرة، ولكن النتائج لم تكن تجسيدا معبرا عن تلك المطالبات، والاسباب كثيرة ، والذي يهمنا هنا منها ثقافة ووعي المواطن من جهة والشحن الطائفي من جهة اخرى. وقد كانت النتائج التي حصلت عليها القوى المدنية الديمقراطية محدودة، على الرغم من اهميتها والدور المعول عليها في تحسين اداء البرلمان التشريعي والرقابي.
ولذا فان حملة المليون توقيع من اجل تجريم الطائفية السياسية، تمثل نموذجا متقدما من الحراك الجماهيري التفاعلي والتوعوي على الصعيد الشعبي. واذا ما تم الاستجابة لها من قبل البرلمان ، ستكون مقدمة جيدة لارساء اساس قانوني وفكري لثقافة المواطنة وخطوة واعدة على طريق التغيير، وملهما لتشديد وتيرة الكفاح السياسي والمطلبي، دفاعاً عن مصالح شعبنا وحقه في الحياة الامنة المستقرة في اطار نظام ديمقراطي اتحادي، يوفر الخبز والكرامة والعدالة الاجتماعية للجميع، والحرية والاستقلال والسيادة للوطن.