المنبرالحر

حق التظاهر ..والتظاهر بالحق! / قيس قاسم العجرش

نعرف أن التظاهر لا يجوز إلا بموافقة السلطات ..لكن هذا ليس حقيقة لا جدال فيها، بل هو أكبر عملية تمويه تعرّضت لها حرية التعبير في العراق منذ إقرار الدستور ولغاية اليوم، اليوم تحديداً حين بدأ مزاج القوات الأمنية يتعكّر تجاه المتظاهرين من أهالي ضحايا سبايكر الذين يستحقون تحيـّة متميزة لعنادهم القوي.
يتهم البعض خفية جهات بعينها بانها تحاول ان تدفع ذوي ضحايا سبايكر للتظاهر الفوضوي في أماكن حساسة، من أجل احراج الحكومة والبرلمان الحاليين الجديدين نسبياً.
ربما كان هذا صحيحاً في بعض تفاصيله.
وربما كانت هذه الجهات هي ذاتها التي سمحت لأهالي المتظاهرين أن يدخلوا عنوة الى البرلمان في آب الماضي. البرلمان الذي نعرف نحن الصحفيين أن من المستحيل إختراق بواباته الأمنية من قبل أناس عُزّل، إلا إن كان هناك من أعطى الأمر بالسماح لهم ان يطلقوا العنان لعواطفهم وهُم اولى بان نسمع أصواتهم قبل أي صوت آخر.
وهذا أيضاً يبدو صحيحاً الى حد ما.
في الحقيقة يُرافق كل تظاهرة عراقية مطلبية ادعاء بأنها مسيرة ومدفوعة من جهة ما لغرض سياسي.وهو أمر إن حصل فلا مثلبة فيه.
لنفهم الأمور بالصيغة التالية: التظاهر(حقّ) مطلق. هنا تنتهي الجملة، ثم نعود الى الدستور لنفهم أنه يطلب تنظيم هذا الحق ضمن قانون مخصص.
أما انّ القانون لم يصدر ونحن نبعد 9 سنوات عن اليوم الذي أّقرّ فيه الدستور، فهذا لا يعني أبداً أنّ الحق بالتظاهر يمكن الانتقاص منه أو تشذيبه أو تطويقه، لأن أي عملية من هذا النوع ستكون خرقاً دستورياً للحق المطلق بالتظاهر.
على سبيل المقارنة: ليس في العراق اليوم قانون للأحزاب، فهل يجوز ان نطلب من الأحزاب الحالية التي تصنع الحياة السياسية صوت لها الناس في الانتخابات ان تأخذ (رخصة!) من وزارة الداخلية من اجل العمل السياسي؟
إذن اليوم برسم وزير الداخلية أن يعود عن (البدعة)التي ابتدعتها وزارته في ما مضى والتي تطلب الإذن بالتظاهر، دون أن يستند هذا الإذن الى تعريف قانوني واضح أو معايير مكتوبة إنما يوكل الأمر برمته للمسؤول الأمني ليُقرر، وقد رأينا خلال تظاهرات شباط 2011 كيف قرر الأمن ان تلك التظاهرات معادية !
ولأن الدستور وحدة متكاملة، فهو لا يُجتزأ ولا يؤخذ ببعضه دون كله، فإننا نجد ظالتنا في المادة 46 منه. هذه المادة تمنع الحكومة أو أي جهة أخرى بما في ذلك البرلمان، من تقييد أي من الحقوق والحريات الواردة في الدستور إلا وفقاً لقانون او بناءً عليه.
يعني بصريح العبارة، إن التظاهر مسموح ما لم يتوافر قانون يُنظّم هذا الحق.
فهل سيجرؤ احد على تكرار ذات الخدعة؟