المنبرالحر

البرنامج الحكومي وإعادة الاموال المسروقة / إبراهيم المشهداني

لا احد في أعلى الهرم الحكومي يستطيع ان ينفي وجود الفساد والفاسدين في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية كما ورد في البرنامج الحكومي لعام 2014، الذين استطاعوا بدون وجه حق وبعشرات الحيل المبتكرة ان يستحوذوا على أموال الدولة والتي هي اموال جماهير الشعب ،بينهم ملايين الفقراء والمعدمين الذين القت بهم سياسات النظام البائد والحكومات التي قادت البلاد منذ عام 2003 على قارعة الطريق ، ولم ينف كبار المسؤولين في الحكومة العراقية الحالية الارقام التي تنشرها عشرات المراصد والأجهزة الرقابية عن المبالغ المنهوبة وربما آخرها وليس أخيرها التقارير التي اصدرتها جهات امريكية متخصصة ومصادر اعلامية ذات شان في الداخل والخارج باختفاء مئات المليارات من خزينة الدولة المخصصة لبناء مشاريع تحتاجها البلاد في اعادة البنى التحتية التي خربتها الحروب وعمليات تخريب منظمة .
وإذ لم يستطع اصحاب الحق في هذه الاموال من الفقراء والمعدمين ومن لم يمتلكوا سلطة القرار ان يفعلوا شيئا سوى التعبير عن حزنهم والمهم لضياع حقوقهم جهارا نهارا ، فان الدولة بأجهزتها الامنية والقضائية والبرلمان بلجانه التي تشكلت بعد صراع مرير ، تستطيع ان تفعل الكثير ولا تحتاج في عملية اعادة الاموال المنهوبة الا الى نسيان ان هذا السارق من الحزب الفلاني او الكتلة الفلانية او العشيرة الفلانية او المنطقة الفلانية، لا سيما وان الفاسدين معروفون بأسمائهم ومناصبهم . وبحسب الدستور وكافة القوانين النافذة فليس في هذه الدولة من محصن من المساءلة عن جريمة اقترفها من اي نوع بما فيها جريمة السرقة ونهب المال العام.
انني هنا لا اتحدث عن سرقات متوقعة لكي تتخذ بشأنها اجراءات احترازية، بل عن اموال سرقت مع سبق الاصرار والترصد وان ملفاتها محفوظة بأدراج القضاء وهيئة النزاهة، ناهيك عن دوائر الرقابة المالية وهي بحاجة الى تفعيل و قرار شجاع بكنس الفاسدين والمتلاعبين بقوت الشعب. ان المتابع للأرقام والبيانات الاقتصادية والمالية التي تحدث عنها وزيرا المالية والتخطيط في البرلمان العراقي تشيران الى ازمة مالية مرشحة لان تمتد لفترة ليست بالقصيرة، تتجلى قبل اي شيء اخر بعجز كبير في الموازنة الاتحادية بسبب الانخفاض في الموارد المالية؛ ناتج عن انخفاض في اسعار النفط ونقص شديد في السيولة المالية، هذا في الوقت الذي يعلن فيه رئيس الوزراء السابق من محافظة ذي قار انه سلم الحكومة الحالية اكثر من تسعة ترليونات دينار فلماذا هذه الصورة السوداوية للواقع المالي في العراق اذن ؟ وبغض النظر عن دقة هذه التصريحات من عدمها، فلو توقفنا فقط عند تصريحات الوزيرين وأيقنا ان الاقتصاد العراقي مقبل حقا على ازمة مالية وسياسة تقشفية تتطلب العديد من الاجراءات لمواجهة هذا العجز فان بين هذه الاجراءات هو البحث الجاد عن المال المسروق من خلال وضع جميع الفاسدين المدانين والمتهمين قيد الاحتراز القانوني والشروع بحملة واسعة من الاجراءات القضائية وحتى الوقائية ضد احتمالات وقوع فساد اخر خلال عمليات دعم النازحين او صفقات السلاح وأية انشطة تتطلب نفقات مالية من خزينة الدولة إلا ان هذه الحملة تتطلب جهازا تنفيذيا واسعا وبالتأكيد خارج ذلك الجهاز ذاته المتهم بالفساد.
ان هذه المهمة الصعبة تستلزم من بين امور عديدة اعادة النظر بالجهاز القضائي والإتيان بقضاة لا يخافون في الحق لومة لائم وإشراك جماهير الشعب ومنظمات المجتمع المدني والسلطة الرابعة (الاعلام) لأخذ دورها في الكشف عن تفاصيل عمليات الفساد والاستعانة بالشرطة الدولية (الانتربول) في اعادة الفاسدين وحملة دبلوماسية واسعة النطاق في اعادة الاموال العراقية المودعة في البنوك الخارجية والاستعانة بالقانون الدولي في هذا المجال ومهما كانت النتائج فإنها بالتأكيد ستعيد عشرات المليارات من الدولارات وهي في حالتها هذه مصدر اكيد من مصادر تمويل الموازنة.