المنبرالحر

سماسرة البترودولار / د. صادق إطيمش

نشرت جريدة " بادشه تسايتونغ " الألمانية بتاريخ الثالث من شهر كانون الأول الجاري مقالاً بعنوان " لا نقود للاجئين بسبب عرب الخليج " جاء فيه باختصار شديد :
(الأمم المتحدة يتحتم عليها ايقاف مساعداتها الغذائية للاجئين السوريين. وهذا يعني ان مليون وسبعمائة الف من المشردين في لبنان والأردن وتركيا لا يمكنهم استلام البطاقات التموينية اعتباراً من الآن . اما سبب قطع هذا المورد الهام لبقاء اللاجئين على الحياة في الشتاء القادم فهو عدم استلام المبالغ التي وعدت بها الدول العربية المانحة التي لم تُحول مبلغ اربع وستين مليون دولار لشهر كانون الأول، وهو مبلغ يمكن لدول الخليج ان تدفعه من نثرياتها. إلا انه بالرغم من الوعود الكبيرة التي اطلقتها دول الخليج الغنية، فإنها اوقفت كافة التحويلات المالية،وهذه فضيحة كبيرة. الدول مثل العربية السعودية، قطر ، الإمارات العربية المتحدة والكويت تمول مقاتلي الحركات الإسلامية في العراق وسوريا. اما اللاجئون السوريون الذين لا ذنب لهم والذين هجرتهم حروب البترودولار، فإنهم غير مرغوب فيهم على ارض شبه الجزيرة العربية. انهم يجب ان يصارعون الحياة في لبنان والأردن وتركيا، في الوقت الذي تصرف فيه دولة مثل قطر المليارات على استضافة مسابقات كرة القدم. وهنا ينبغي القول بان ما يدعيه اصحاب مليارات البترول من الرحمة في الإسلام بان هذه الكلمة اصبحت غريبة على قواميسهم. إن هبوط اسعار البترول تدفع بهذه الدول إلى التقشف. إلا ان هذا التقشف لا يشمل السلاح للمشكوك فيهم من حلفاءهم، بل يشمل الدولار الذي يمكنه ان ينقذ عائلة من الجوع او من برد الشتاء)
لم يغب عن بال كاتب المقال هذا ان يربط بين سماسرة البترودولار في الخليج وبين عروبتهم وإسلامهم. فإنهم طالما تغنوا بهذين الإنتمائين وتبجحوا من خلالهما بجعل حكوماتهم وساستهم وبكل ما تحويه بلدانهم من عروش وكروش مراكز الشهامة العربية والنخوة الأخوية التي اعتبروها من مقومات تاريخهم البدوي الصحراوي. إضافة إلى تبجحهم الجنوني برحمة الدين الذي يسهرون على حمايته والإلتزام بتعاليمه وخاصة تلك التي توصي بالرحمة لذوي القربى على وجه الخصوص، لاسيما وانهم حماة ارض الإسلام وخدام الحرمين، كما يدعي ملوك آل سعود مثلاً.
قد ينكر بعض العرب والمسلمين او يتنكر لإنتماء هؤلاء الحكام إلى العروبة والإسلام وسنسمع من البعض حتماً عبارات كثيرة حول هذا الموضوع كابتعاد هؤلاء عن القيم الأخلاقية لهذين الإنتمائين . وإن هؤلاء الحكام يتشبثون اسماً لا فعلاً بالعروبة وبالإسلام، وما شابه ذلك من التبريرات التي نسمعها دوماً إذا ما تطرق الأمر إلى مثل هذه المواضيع التي ظل تداولها يزداد باطراد في السنين الأخيرة، خاصة بعد ما صعدت موجة الإسلام السياسي وشكَّل مشايخ هذا الإسلام في دول الخليج خاصة بؤراً للفتاوي المارقة وتجمعات تكفيرية إجرامية تجوب البلدان في المجتمعات الإسلامية خاصة لتنشر فيها كل موبقاتها التي ما نفَّذ مجرموها واحدة منها إلا واستهلوا جريمتهم هذه بالتكبير الذي لا يختلف شكلاً ومضموناً عن ذلك التكبير الذي يبدأ به المسلم الصالح صلاته ، وهو نفس ذلك التكبير شكلاً ومضموناً ايضاً الذي يذبح به مجرموا مشايخ البترودولار الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين، والذي يذبح به المسلم الحاج ضحيته.
هذا الخليط من الفهم للدين والذي لم تتضح ابعاده حتى لكثير من المسلمين ، هو الذي جعل كاتب هذا المقال في الجريدة الألمانية يستغيث بالرحمة التي يدعو لها دين سماسرة الخليج، طالباً منهم في مضمون خطابه، أن يُنصفوا ذوي القربى منهم، على الأقل، بالجزء اليسير جداً من مليارات البترودولار التي يحصلون عليها شخصياً، والتي يمكن انفاقها على المحتاجين من نثرياتهم، كما عبر عن ذلك كاتب المقال ، وهو محق تماماً في ذلك . وقد إنطلق كاتب المقال هذا من اعتقاده بانه بنداءه هذا انما يخاطب بشراً يمتلكون بعض الصفات البشرية كالشعور بالذنب مثلاً او تقييم بعض المثل الإنسانية التي يسمعها الآخرون باعتبارها تمثل جذور الإنتماء الديني والقومي لهؤلاء السماسرة. إلا انه ما درى بانه يخاطب اوباشاً قريبي الشبه بالوحوش الكاسرة من الإنسان الشريف الملتزم بالقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية. واقول قريبي الشبه بالوحوش الكاسرة ، لأن الوحوش افضل منهم فعلاً، حيث انها لا تفترس ما يزيد عن حاجتها للغذاء. اما هذه الوحوش البشرية الخليجية فلا يمتلئ جوفها من سرقة بترول شعوب المناطق التي يتحكمون بها ما زالوا احياءً يتحركون على هذه الأرض. إنهم ليسوا وحوشاً فحسب، بل إنهم سماسرة فعلاً ليس تجارياً او اقتصادياً فقط، وانما اخلاقياً ايضاً، وهذا ما يشير اليه كل اسلوب حياتهم المليئة بالزيف والكذب والسرقات والإفتراءات والسقوط الأخلاقي المريع.