المنبرالحر

لنتعلم من مانديلا العظيم/ مرتضى عبد الحميد

حلت قبل أيام الذكرى الأولى لرحيل القائد ومعلم الإنسانية جمعاء العظيم "نلسون مانديلا" أول رئيس اسود لجنوب إفريقيا الديمقراطية، وقد باشر العالم بأسره تكريم "مانديلا" بطل النضال ضد نظام الفصل العنصري بعد وفاته مباشرة، ومازال التكريم والاحتفاء مستمراً، وسيظل كذلك مادامت الشعوب تناضل من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
في "مأثرة مانديلا" التي كتبت عنها مئات الكتب وآلاف المقالات، ما ينفعنا ويثري تجربتنا شعباً وحكومة وقوى سياسية متنفذة، لأنه كان يؤمن بأن السير نحو المستقبل أهم بكثير من التشبث بالماضي، وحين أكمل ولايته الأولى في الحكم عام 1999 رفض بشدة الترشيح لولاية ثانية، رغم رغبة الجموع سوداً وبيضاً بذلك، وأحال نفسه إلى التقاعد، وطاف البلاد يدعو مواطنيه للعمل سوية من اجل ارض واحدة وإنسان واحد.
لم يشتم معارضيه أو يخوّنهم، لم يطلب من الناس أن تهتف بالروح بالدم، ولم يفسح مجالاً للفضائيين أو يتستر على الفاسدين، لم يشتر الذمم بأموال الدولة، ولم يقبل إن يشار إليه بلقب الفخامة أو المعالي، هو فقط "ماديبا" الاسم القبلي المحبب له.
من كلماته الأثيرة أن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم، فالهدم فعل سلبي والبناء فعل ايجابي، وأن القائد الناجح هو الذي يواجه الأمور بصراحة وعمق لتقريب وجهات النظر مع الطرف الآخر، لكن المتعجرف، السطحي والجاهل لاتخطر له هذه الفكرة على بال، فأين بعض مسؤولينا من هذه النصائح الثمينة؟ ولماذا يعملون العكس تماماً، فيفتعلون الخصومات مع الآخرين حتى لو كانوا من نفس طائفتهم أو حزبهم، بل لايروقهم الآخر إذا حقق نجاحاً، أو إذا قدم شيئاً مفيداً للناس واضعين العصي في عجتله، والعراقيل في طريقه.
لقد أضحى "مانديلا" رمزاً عالمياً للحرية ثم للمصالحة منذ أن خرج من سجون نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في 11 شباط 1990، وعند انتخابه في الدورة الأولى من الانتخابات المتعددة الأعراق، أعلن عزمه على بناء "امة تعيش بسلام في الداخل ومع العالم" ونجح في كسب مودة البيض، لأنه لم يظهر مرارة لكل السنوات التي أمضاها خلف القضبان.
وقبل سنوات من وفاته، أجرت معه مجلة "التايم" مقابلة وسألته عن أهم درس تعلمه في السجن، فأجاب: إن الشجاعة لا تعني انعدام الخوف، إنما تعني تشجيع الآخرين لتجاوز الخوف. إحرص على وجود أنصارك بقربك، ومنافسيك اقرب إليك. لم يبعد أو يسجن منافسيه بل أصر على أن يجعلهم شركاء في كل شيء، سيما في صناعة القرار السياسي. كان عدواً للفردية، ويعمل على احترام آراء الشركاء حتى في اصغر الأمور واقلها أهمية.
إن التجربة السياسية لزعيم جنوب إفريقيا "نيلسون مانديلا" تستحق الدراسة من كل الساسة في العالم، وأولهم ساستنا المحترمون، ليتعلموا منه التواضع والتفكير العقلاني والحكمة، والابتعاد عن نزعة الثأر وتسقيط الآخر ونبذ الطائفية، والتشبث المرضي بالسلطة والكرسي الذي أوصل العراق وشعبه المنكوب بـ"داعش" وببعض حكامه الى هذا الدمار والخراب الذي نعيشهما ألان.